لم تعد الأسئلة تهدف إلى حصول السائل على إجابات تشكل له بعض المعارف أو المعلومات التي توصله إلى مرحلة من الاستقرار النفسي المتمثل بالحصول على الإجابة، وإنما تجاوزت ذلك كله لتصبح بوصلةً نحو إنتاج المعرفة والمعلومة التي لا يمكن الحصول عليها دون خوض تجربة البحث عنها.
وتتمثل قيمة السؤال بمقدار ما يحفز المتلقي للبحث والتفكير والتأمل، وليس بمقدار ما يمتلك المتلقي من معلومات جاهزة. وبذلك كان لا بد من أن تكون الأسئلة ذات مواصفات عالية تتسم بالعمق المحفز، وليست أسئلة تستدعي إجابات معلوماتية معرفية فقط.
ولكي ترتقي الأسئلة إلى المستوى المتقدم من القدرة على تحفيز المتلقي للتأمل والبحث والاستكشاف؛ لا بد وأن يكون السائل مدركا لقيمة ما يبغي الوصول إليه، متزوداً بالمهارات والكفايات العالية في طرح الأسئلة.
وبذلك يمكن اعتبار طرح الأسئلة فناً وليس مجرد استراتيجية أو أسلوبا استفهامياً متمثلاً في صياغة سؤال على شكل عبارة استفهامية.
ومن خلال انخراطي في المدرسة الصيفية للدراما، ومشاركاتي في منتديات الدراما وورشات الدراما، أصبحت تتشكل لدي الكثير من الأسس التي ينبغي أن يُبنى عليها السؤال الذي يقود بدوره إلى استكشاف المعنى. ولم أكن قبل ذلك أعيد صياغة سؤال ما. ولكن في الدراما تعلمت أن السؤال هو الأساس، ومن الأركان ذات الأهمية الكبرى في عملية البناء، وكذلك ينبغي تعديله وتنقيحه وتهذيبه ليكون أكثر عمقاً وأكثر شموليةً وأكثر تحفيزاً، وخالقاً لتوتر يدفع نحو الاستكشاف والتعمق من أجل خلق المعنى.
ففي الوقت الذي تكون فيه الدراما رؤية جديدة نحو الكون والحياة، ونهجاً نحو خلق المعرفة، فإن هذا يستوجب تكامل الطرق والاستراتيجيات والمبادئ التي تُبنى عليها الدراما، كي تصل إلى الغاية التي تسعى إليها.
وحينما أدركت أن المعلم في الدراما لا يقدم إجابات جاهزة، ولا حتى المتعلم؛ فقد تعمقت لدي قيمة السؤال، وما ينبغي أن يتصف به. ولم يكن الوقت الذي كنا نقضيه في صياغة سؤال استكشاف وقتاً عبثياً؛ فقد كنا نبني السؤال ونعيد بناءه مراراً وتكراراً ليصل في النهاية إلى شيء من القبول فيما ينبغي أن يكون عليه.
وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أهمية السؤال في العمل الدرامي، لأنه سيشكل البوصلة التي توجه الطلاب إلى الاستكشاف، والمحفز إلى خلق المعرفة، واكتشاف المعنى.
ففي بداية ممارستي للدراما التكونية مع الطلاب لم تكن الأسئلة التي أطرحها بذات العمق كما هو في مراحل متقدمة من انخراطي في العمل الدرامي وممارستي للدراما التكونية، فقد كانت الأسئلة الأسئلة تستدعي إجابات من الطلاب أو قليلاً من التفكير في المعنى. وكأنني كنت أوجه الطلاب نحو الإجابة لا أن أدفعهم إلى التفكير والبحث والاستكشاف.
وقد كانت الأسئلة تتجاوز (المرحلية) في العمل الدرامي إلى ما هو مستقبلي أو أبعد من اللحظة المطلوبة والتي كان ينبغي أن تكون الأسئلة مستكشفة للحظة (هنا، والآن).
وللأسئلة في بناء الدراما أثر كبير في إبطاء الوقت الذي بدوره يعمق الاستكشاف، ويزيد من عمق اللحظة والوقوف عندها لإدراك جوانبها، وهو كذلك الذي يخلق نوعاً من التوتر، والترقب، والتفكير، والتأمل، ومحاولة قراءة ما وراء الظاهر.
فالأسئلة التي تُطرح حول وصف صورة ثابتة، تختلف كلياً في دلالاتها وفائدتها عن الأسئلة التي تُطرح حول قراءة معاني الصورة، أو ما وراء الصورة وما توحي أو تشير إليه.
والسؤال الذي يطرحه المعلم في الدور حول ما قد يفكر به قبل مروره في ممر الوعي هو ما سيغيّر في طريقة تفكير الطلاب في الدور حين يقدمون الأفكار أو وصف المشاعر والأحاسيس، فلو كان السؤال سطحياً لكانت في المقابل إجابات الطلاب كذلك.
ومن هنا ندرك أن السؤال ينبغي أن يتصف في الوقت ذاته بالتوسع والعمق، كي يخلق أوسع المساحات في عقول الطلاب للتفكير والتأمل، وكي لا يوقفهم عند إجابات محدودة ومحددة أو سطحية تحد من عملية استكشاف المعاني.
ومن خلال ما تعلمته في التخطيط للدراما وما زلت أتعلمه، أدركت أن الأسئلة التي تُبنى عليها الدراما تأخذ أكثر من منحى؛ فينبغي أن تكون أسئلة متعلقة بالمعلم حين يُعدّ استراتيجيات الدراما وتقنياتها، وذلك من خلال سؤاله نفسَه ماذا أريد من هذه التقنية؟ وما أهدافي من ورائها؟ وما حجم الاستكشاف الذي قد تحققه؟ وما الوقت المناسب لاستخدامها؟ وما مدى علاقتها وانسجامها بالتقنيات الأخرى؟ وما مدى تمكُّني من توظيفها بما يحقق الفائدة.
ومن ناحية أخرى تأتي أسئلة المعلم لطلابه خلال العمل الدرامي، وما مدى قدرة هذه الأسئلة على تحفيز الطلاب ودفعهم للتفكير والتأمل والبحث، ومدى انسجامها مع المعاني التي تسعى لاكتشافها، والقيم التي سترسخها في عقول الطلاب أو تعزز القيم الموجودة مسبقاً.
ولذلك فإن التخطيط للدراما يُبنى على تصورات ذهنية تتشكل بتشكّل الأسئلة، وتتضح خطوات عملية الدراما بوضوح الأسئلة، ولا أعني بوضوح الأسئلة سطحيتها أو وجود إجابات جاهزة عنها؛ وإنما أسئلة تعرّف المعلم بجميع خطواته والغاية منها وحجم الفائدة المترتبة عليها، وتوجه الطالب إلى العمل لاستكشاف المعنى وخلق التوتر الذي يدفع الدراما إلى الأمام ولذلك فإن التخطيط للدراما يُبنى على تصورات ذهنية تتشكل بتشكّل الأسئلة، وتتضح خطوات عملية الدراما بوضوح الأسئلة، ولا أعني بوضوح الأسئلة سطحيتها أو وجود إجابات جاهزة عنها؛ وإنما أسئلة تعرّف المعلم بجميع خطواته والغاية منها وحجم الفائدة المترتبة عليها، وتوجه الطالب إلى العمل لاستكشاف المعنى وخلق التوتر الذي يدفع الدراما إلى الأمام.
ومن هنا ينبغي أن تكون الأسئلة المتعلقة ببناء الدراما ضمن ثلاثة أزمنة، هي:
أولاً- الأسئلة ما قبل الدراما:
وهي الأسئلة التي يطرحها المعلم على نفسه لبناء خطة الدراما، فيما يتعلق بالقصة المستخدمة والاستراتيجيات والتقنيات والأهداف من عمله في حصه الدراما، وعناصر الدراما، والفئة المستهدفة من العمل الدرامي، وطبيعة الأنشطة المنوي توظيفها واستخدامها. وهذه الأسئلة توضح للمعلم طريقه نحو عمله في بناء الدراما التكونية، وليست بالضرورة أن تكون وحدها ضامنة النجاح له في حصة الدراما، حيث أن ثمة تطورات قد تطرأ فتغير سير الدراما، وينبغي على المعلم أن يكون متوقعاً ذلك.

ثانياً- الأسئلة أثناء تنفيذ حصة الدراما:
تعتبر حصة الدراما الترجمة العملية لتخطيط الدراما وخطوات تخطيط آنية يقوم بها المعلم بناء على ما يستجد من أحداث خلال الدراما. فمن الممكن أن تكون هناك خطة متكاملة مسبقاً قبل الدراما، وخطة يتعدل على بنائها أثناء الدراما من خلال ما تصل إليه الدراما في نموها. ومن هنا فإن الأسئلة التي يثيرها المعلم ويطرحها خلال حصة الدراما تهدف إلى عدة غايات وإن كان أهمها إثارة التفكير والتأمل والبحث والاستكشاف، فإنها تهدف أيضاً إلى محاولة ضبط سير الدراما ونموها وتعميقها بالطريقة التي أرادها المعلم بشرط أن لا تكون الدراما منقادة بطريقة تحد من إفساح المجال للطلاب نحو التفكير والاستكشاف.
فاعتماد حصة الدراما ضمن جميع تقنياتها، تعتمد على دقة توجيهات المعلم، ودقة الأسئلة التي يطرحها حول كل تقنية مستخدَمة.
ثالثاً- الأسئلة ما بعد الدراما:
وأعني هنا الأسئلة التي يطرحها المعلم على نفسه بعد تأمله لما قام به في حصة الدراما، وما استثمره من تقنيات في سبيل تحقيق أهداف الدراما، ومدى تمكنه من إيصال الطلاب إلى القدرة على التأمل والاستكشاف، وما كان ينبغي تجنبه أو تعديله أو الإضافة عليه، وما ينبغي تجاوزه في دروسه القادمة في الدراما التكونية، ومعرفة جوانب الخطأ والصواب فيما قام به.
وتُعتبر الأسئلة في الدراما الخطوة الأولى التي يبدأ من خلالها الطالب إعادة النظر نحو الحياة، ونحو المعرفة، ونحو المعرفة، واستبصار قدراته وطاقاته الكامنة التي لم يستطع شيءٌ قبل ذلك تحفيزَها واستثارتها. ففي داخل الطفل كمٌ لا يستهان به من الطاقة والقدرة التي تحتاج إلى ما ينقب عنها، ولا يتأتى ذلك إلا بالأساليب التي تثير التفكير، والتأمل، وإعادة النظر والصياغة، ويتمثل ذلك فيما تقوم عليه الدراما من أسئلة تهدف أساساً إلى هذا الأمر.
وحينما يدأب المعلم على استخدام هذا النوع من الأسئلة التي تدفع إلى التفكير والربط والتحليل والتقويم؛ فإنه بالتالي يغرس في نفوس الطلاب آليات جديدة نحو الأسئلة التي يطرحونها نحو الحياة، والقيم، والمعارف. فلن يتوقف العمل الدرامي على استكشاف المعاني، وإنما سيتجاوز ذلك إلى غرس صيغ الأسئلة التأملية في نفوس الطلاب، وحينها يجب علينا أن نساعد الطلاب على كيفية السؤال قبل كيفية الإجابة.
• الأسئلة وألعاب الإحماء:
حينما يرغب المعلم في أن يبدأ النشاط الدرامي بلعبة إحماء، فإنه لا بد أن يضع هدفاً من هذه اللعبة مبنياً على سؤال حول علاقة هذه اللعبة بما بعدها، ومدى ارتباطها بقيمة ستُعزَّز لاحقاً خلال حصة الدراما، فليست أنشطة الإحماء عبثية أو ارتجالية، فالعمل الارتجالي غير المدروس من المعلم قد لا يحقق نفعاً إن لم يصبح مشتتاً أو مثيراً لما لا يرغب به المعلم.
• الأسئلة واختيار القصة:
يُعتبر اختيار القصة التي ستُبنى من خلالها الدراما أمراً في غاية الأهمية، ويجب الاهتمام جيداً في اختيار قصة قوية تتصل بحياة الناس، وتستفز مشاعرهم، وبذلك ينبغي على المعلم أن يسأل نفسه عدة أسئلة قبل تحديد قصة معينة يبدأ ببناء الدراما عليها ومن خلالها، ومن هذه الأسئلة:
- إلى أي مدى تتسم هذه القصة بالقوة لتكون أساساً للعمل الدرامي؟
- ما مدى اتصال أحداث القصة بحياة الناس سواءٌ أكان ذلك ضمن الجانب أو الموقع الاجتماعي الذي يسهُل إدراكه والتعرف إليه والموقع المتعلق بالمكون الخاص من القصة المستخدمة، ووجود أمكنة للتقاطع بين الموقعين؟
- ما مدى قوة الحبكة القصصية وعمقها والتي يمكن أن تكون نقطة انطلاق للدراما وليست نقطة تنتهي عندها الدراما؟
- ما مدى قدرة القصة على الجمع ما بين المنطق والخيال، بحيث لا تحيد جانباً منهما، أو تتسع في جانبٍ على حساب الآخر؟
علماً أن الدراما التكونية تقوم على المبادئ والقيم الإنسانية التي لا يمكن أن تنفصل عن الخيال والعاطفة إضافةً إلى المنطق العقلي.
وبذلك فإن الأسئلة التي يطرحها المعلم كمقاييس لاختيار القصة للعمل الدرامي لا تقل أهميةً عن الأسئلة التي يستخدمها أثناء حصة الدراما، وبناء العمل الدرامي، أو التخطيط له.

• الأسئلة وتجسيد المكان:
حينما يكلف المعلم الطلاب تجسيد مكان متعلق بأحد جوانب القصة فإن ذلك لا يتأتى بالتكليف الأمري الموجه لتجسيد المكان؛ وإنما يكون بأسئلة تمثل إجاباتها تجسيد المكان، مما يساعد في دخول الطلاب في الدور من جهة، ولاقتراب من بيئة القصة المكانية والمعنوية من جهةٍ أخرى.
فحينما يسأل على سبيل المثال: ما الذي يمكن أن تكون عليه قريةٌ ريفية؟ كيف يمكن أن يكون كرسي الملك؟ ما الأشياء التي يمكن أن نضيفها لهذه المزرعة؟
فإن هذه الأسئلة وغيرها تساعد في بناء دراما ودخول الطلاب في الدور، وتقريبهم من المكان المادي لبيئة القصة فيزداد بذلك التفاعل مع أحداث القصة والعمل الدرامي فيما بعد بطريقة أكثر تصديقاً وعمقاً.
• الأسئلة ما قبل السرد وبعده:
فالمعلم يحدد لنفسه مسبقاً ما الذي يريد أن يحققه من خلال سرد جزء من قصة أو عدة أجزاء خلال العمل الدرامي، وما الكيفية التي ينبغي أن يسرد فيها هذا الجزء أو ذاك، وما السؤال اللاحق لعملية السرد ليربط من خلاله بينما جاء في هذا الجزء من القصة والعمل أو التقنية اللاحقة بهذا السرد، وكيف يمكن لهذا السرد أن يساعد في البناء الدرامي.
• الأسئلة والغرض في الدراما:
إن الغرض في الدراما يحتلُ مكانةً كبيرة في بناء الدراما وتطورها وتناميها، ولا يختار المعلم غرضاً عفوياً دونما معرفة مسبقة بأهمية هذا الغرض ودوره في البناء الدرامي، ولا يتم التعرف والاستكشاف من قبل الطلاب لهذا الغرض وقيمته وعلاقته بالمعنى والمعاني التي يمكن تحميلها له إلا من خلال مجموعة من الأسئلة التي يطرحها المعلم حول هذا الغرض، كأن يسأل على سبيل المثال: ما الذي نراه على الأرض؟ ماذا يمكن أن يكون؟ فيمَ قد نستخدم هذا الغرض؟ ما الذي قد يكون بداخله؟ ماذا يعني لنا وجود هذا الغرض؟ ماذا لو لم يكن بهذه الطريقة الموجود بها؟ كيف يمكن أن نعطيه معاني أخرى من خلال استخدام آخر له؟ ما الاستخدام الذي قد يحمله معاني أخرى؟
• الأسئلة وتقنيات الدراما:
إن اختيار المعلم لتقنيات الدراما يعتمد كلياً على تساؤلات سابقة في تخطيط المعلم لحصة الدراما، وما الذي يمكن أن تقدمه هذه التقنيات لخدمة الدراما وتطورها وتعميق الاستكشاف، وما صلة كل تقنية مستخدمة في موضوع الدراما، وكيف يمكن أن تشكل كل تقنية نقطة تحول نحو العمق في الحدث الدرامي، وكيف يمكن أن ننطلق منها لتقنيات لاحقة تزيد من عمق بناء الدراما.
وكذلك فإن استخدام أو توظيف تقنيات الدراما يقوم على أسئلة يطرحها المعلم على طلابه، لتوجيههم إلى ما ينبغي فعله في الدور الذي ينخرطون فيه من خلال الدراما. وهذه الأسئلة ليست أسئلة تقود الدراما، وإنما أسئلة تحصر النشاط الطلاب وتوجهه نحو عمق الدراما، فالأسئلة كما هي موجِهة وبوصلة نحو استكشاف المعنى، هي كذلك ضابطة لأي خروج قد يضر ببناء الدراما، وفي ذلك حملٌ كبير ومسؤولية عالية على معلم الدراما الذي يجب أن يتميز بمهارات عالية في طرح الأسئلة.

• الأسئلة والايدولوجيا في القصة:
بما أن الدراما تهدف إلى إعادة النظر حول ما هو موجود وحول الحياة؛ فإنها بالتالي تهدف إلى إعادة القراءة لما وراء الأشياء، وحيث أن لكل قصة ايدولوجيا مخفية وراءها، فإن أسئلة المعلم أثناء الدراما هي التي تستفز في نفوس الطلاب رغباتهم وطاقاتهم الكامنة التي تؤهلهم من قراءة ما وراء المعنى وما وراء النص.
فعندما يطرح المعلم أسئلته الاستكشافية التي توجه الطلاب لتحديد حدث دراما، وزمان معين، وغرض وإثارة تساؤلات حول هذا الغرض والمعاني المحمل بها في استخدامه الطبيعي، والمعاني التي قد حُمِّلَ بها ضمن السياق الدرامي الجديد، والوصول إلى لحظة تطرّف؛ فإن ذلك كله بما يدعمه المعلم من أسئلة ستقود الطلاب إلى اختبار الغرض ومحاولة معرفة الايدولوجيا التي بُنيت عليها القصة أو على الأقل الايدولوجيا التي بُني عليها جزء معين من القصة.
• الأسئلة وعناصر الدراما:
إن وجود قصة لتُبنى عليها الدراما يعني وجود العديد من السياقات؛ وبما أن الدراما ليست إعادة تمثيل لأحداث قصة معينة، فهذا يعني بالضرورة تحديد سياق درامي، ومساءلة هذا السياق من قِبَل المعلم عن أهم العناصر الدرامية التي من خلالها يصل الطلاب إلى مناطق الاستكشاف المطلوبة، وتحقيق الأهداف من حصة الدراما.
فهذه الأسئلة تساعد المعلم أولاً ليعي ما يعمل، وتساعد الطلاب فيما بعد من خلال معرفة المعلم لما يقوم به، فمن خلالها بحدد الصياغة المناسبة للسياق، والأدوار، والمكان، والحدث الدرامي، والتوترات، والتوقعات، والأصوات، والأهداف، والأهداف المضادة، والتبئير، والسؤال المركزي في الدراما، والقيمة المعززة أو المكتسبة من خلال الدراما.
ولربما كان من أهم الأسئلة التي تمهد لبناء الدراما، سؤال المعلم لنفسه: لماذا التعليم من خلال الدراما؟ ولماذا الدراما في سياق تعلمي؟ وكيف يمكن أن أحمي الدراما من فكرة التمثيل أو الاعتقاد بأنها تمثيل؟ وكيف يمكن أن يتم التعلم من خلال الدراما؟
إن هذه الأسئلة – وما هو في مقامها – تُبصر المعلم بأهمية ما ينوي عمله، والكيفية الصحيحة للقيام بهذا العمل.
فالدراما تُبنى على الأسئلة سواء أكان ذلك في مرحلة التخطيط المُسبق لها، أم في مرحلة التنفيذ، أم في مرحلة التقييم وما بعد التنفيذ، فحين يريد المعلم اختيار مجال التعلم؛ يُبنى سؤال يتعلق بهذا الموضوع.
فالمعلم في تخطيط الدراما يستطيع تحديد نوع التعلم، والتخطيط له بدقة من خلال إجابته عن تساؤلاته الشخصية حول نوع التعلم وما نوع الخبرة التي يريد أن يمر الطلاب بها؛ سواء أكان التعلم تعلماً شخصياً واجتماعياً، أم تعلماً عن الشكل الفني، أما تعلماً من خلال المنهاج.
• الأسئلة وبناء التوتر:
من مؤشرات نجاح الدراما ظهور التوتر بشكل واضح وجلي، فمن خلاله يستطيع الطلاب معايشة الحدث الدرامي، وليس وصفه. وبه استفزاز للطاقات التي تدفع الطلاب إلى الاكتشاف أكثر. فتُعتَبر أسئلة المعلم لخلق التوتر أمراً غاية في الأهمية، فالتوتر الدرامي لا يتمثل بوصول الطلاب إلى موقف متأزم أو حبكة درامية فحسب، وإنما بأسئلة قد تشكل عقبات لزيادة التوتر، كأن يسأل المعلم: كيف لنا أن نفعل ذلك ونحن نعلم أن ....؟ أو كيف يمكن له أن يختار بين .... و ....؟
• الأسئلة والصورة الثابتة:
حينما يطلب المعلم من الطلاب تشكيل صورة ثابتة، فإنه يوجههم إلى المعنى العام للصورة من خلال أسئلة تمثل الصورة إجابة عنها، كأن يسأل: كيف يمكن أن يكون حال الناس في مملكة في حال عدم وجود ملك؟ أو كيف يمكن أن يكون الناس على ظهر السفينة وقد اقتربت من الاصطدام بسفينة أخرى؟
وبعد تشكيل الصورة الثابتة تنبع للأسئلة أهمية أخرى في بناء الدراما، وهي الأسئلة حول الصورة نفسها، وتحديد الغاية من السؤال حول الصورة بمقدار عمق السؤال وتباين مستواه ما بين أسئلة لوصف الصورة، أو أسئلة ترتبط بقراءة معانٍ داخل الصورة، أو أسئلة تتعلق بقراءة الدلالات وما وراء المعنى.
• الأسئلة لخلق التساؤلات:
أعتقد أن الأسئلة المحورية والأسئلة المركزية والاستكشافية التي يطرحها المعلم أثناء بناء الدراما تخلق الكثير من التساؤلات في عقول التلاميذ، وهذه التساؤلات بدورها تزيد في بناء الدراما، وتزيد من عمق الاستكشاف ودقته، كي يصل الطلاب في مرحلة معينة من حالة تمثّل الرضى والقبول.
فالمعلم لا يقدم أبدا إجابات أو معلومات جاهزة للطلاب، وإنما يحثهم ويوجههم من خلال أسئلته الدافعة نحو البحث والاكتشاف للوصول إلى المعلومات والمعاني المتعلقة بالدراما، وحتى في إجاباته حول بعض تساؤلات الطلاب، فهو يجيب من خلال تساؤلات مُيسرة أو مُساعدة ولكنها ليست معلومات أو إجابات جاهزة. وبذلك يتواصل البناء الدرامي بتواصل الأسئلة، وكلما كانت الأسئلة حيّة ستبقى الدراما في نموٍ حي.
فالأسئلة في بناء الدراما لا تنحصر قيمتها في توجيه الطلاب إلى الاكتشاف أو التعلم، فهي تتجاوز ذلك لتساعد على تحديد القرارات والتفكير في الدراما من خلالها، وتضع التحديات أمامهم لتتقدم الدراما إلى الأمام، وتوفر أيضاً فرصاً كبيرةً للتأمل وتكوين الاتجاهات.
د. عمار يوسف الوحيدي
فلسطين