عندما ننتقل من الحركة إلى النظام تصبح الأشياء راكدة لا روح فيها، عندها يصبح الدين أو الفكر أو الأدب نظامًا تستئصل منه غدد التجدد والمرونة ويُحكم عليه بالجمود في إطار مُسنن بالإبر الحادة حيث كل محاولة للخروج من الإطار سيكون ثمنها مكلفًا. عندما يكون الأمر صعبا ومكلفا يصبح أكثر قيمة من أن يكون متاحًا الإسلام في بدايته كان مكلفًا لدى المسلمين الأوائل ولم يكن سهلا الصدع به
والمنادة بالحرية والديمقراطية كان عملية إنتحارية ما قبل الثورة الفرنسية ضد سلطة الكنيسة. أما التحدث زمن الطاغية في تونس وغيرها من الدول العربية كانت نهايته السجن والإتيان بفكرة جديدة في أي حقل من حقول العلم والأدب كان إستعدادًا واعيًا من الكاتب أو المفكر لتلقي سيل من الشتائم والسباب والكتب الناقدة. كل هذه حركات ثورية ضد السائد الذي له سلطة بضرورة وإلا ما كنا نستطيع أن نقول عنها ثورة.
وبعد أن يرسوا كل شيء ويصبح نظامًا يبدأ في الركود والتخلص من جوهوه تدرجيًا فالصلاة في صدر الإسلام كانت تنتهي في كثير من الأحيان بالموت، فقد يسجد أحدهم للأبد وقد يكتب شخص سطره الأخير في كتاب ينظر لفكرة جديدة ويلقي أخر خطبته الأخيرة عن الحرية قبل أن تستقر رصاصة في رأسه.
أما الآن أصبح الجميع يصلي دون أن يشعر بأهمية ما يفعله والجميع يكتب عن الحرية والديمقراطية وغيرها دون أن يفهم أن ما يكتب عنه ملطخ بدماء من قبله.
لقد أصبح الجميع رجال دين وسياسة ومفكرين وأدباء داخل أنساق النظام يخشون الخروج من هذا الإطار كي لا تُوخزهم الإبر.
الدين والفكر والأدب والفلسفة ليست نظمًا بل حركة وعي يجب أن نشعر بكل ما نفعله ونقدر قيمته ونبحث عن الجديد فيه لا أن نكتفي بالجلوس والتحسر على الزمن الخالي أو نظل حابسي الماضي نضعه تحت مجهر البحث حتى نمله ويملنا، فركب الحياة دائم السير للأمام
وعلينا نحن أن نواكبه وأن نتحرر من عقدة القديم
المثالي ونبحث عن مثالية الجديد وعن قضايا العصر وفكره وفلسفته وإن لم تكن له فلسفة فلنخلقها ونُفعل الحركة والثورة بدلا من البقاء في حدود النظام.
نظرية الحركة والنظام هي نظرية علي شريعتي تناولها هو في بيئته الخاصة في كتابه"التشيع العلوي والتشيع الصفوي"
كنت قد إستئصلتها من بيئتها الخاصة لجعلها أشمل لأنها نظرية ثورية تقطع مع السائد والجامد وتؤسس دائمًا لكل ما هو جديد ولكل ما هو مكلف في سبيل الدين أو المعرفة
وقد فهم الغرب هذا منذ زمن وظهرت المدارس المنظرة لأفكار جديدة وبدأت ثورة جديدة في كل مجلات المعرفة والإنسان الغربي عكس الشرقي العربي لا يخشى أن يقطع الحبل السري الذي يربطه بالماضي ويؤسس دائما أفكارا جديدة على رفاته أما العربي فالماضي بالنسبة إليه مقدس لا يمكن المساس به وأما ما جاء من الغرب فمرحبا به فلينظروا هم لأفكار جديدة وندافعوا نحن عنها بعد سنين من ظهورها حتى تأتي أفكار جديدة منهم.
السؤال الذي نطرحه هنا:
لماذا لا نتحرك ونحدث ثورة فكرية وعلمية؟ لماذا لا نأتي بأفكار ونظريات جديدة يستقيها منا الغرب وليس العكس؟.