صورة التدوينة


أُلف الكتاب عام ١٩٢٤م وترجمه ترجمة جيدة الدكتور أسامة شفيع السيد عام ٢٠١٨، وكتب مقدمة جاوزت ٨٠ صفحة في فكر هذا الفيلسوف الفرنسي المسلم المهضوم الحق من قبل الأدباء والعلماء والفلاسفة رغم أنه عاش في القاهرة لمدة ١٠ سنوات لكنه كان زاهداً متبتلاً بعيداً عن الأضواء، وقرأت سيرة المترجم الدكتور أسامة بعد تلك المقدمة الرائعة التي كتبها، واكتشفت أنه فقيه فيلسوف عبقري حقاً وصدقاً، نال درجة الدكتوراه من جامعة السوربون في الفقه الاسلامي، وهو صاحب تكوين علمي شرعي فلسفي قوي، توفي رحمه الله وهو في الاربعين من عمره أيام جائحة كرونا، ونعاه شيخ الأزهر..
وللامام الدكتور عبدالحليم محمود كتاب عن هذا الفيلسوف الفرنسي الذي اهتدى للاسلام وغير اسمه لعبدالواحد يحيى..

والكتاب ينطلق من مفارقة كيبلنج (الشرق شرق والغرب غرب، وهيهات أن يلتقيا) ويبحث في كيفية نشأة هذه المركزية الغربية التي جعلت هناك هوّة تفصل الشرق عن الغرب ولاسيما الغرب الحديث..
وفكرة الكاتب الرئيسية هي أن الغرب انغمس في المادة متنكراً لأي شيء فوق مستوى المادة بينما سائر الحضارات الشرقية إنما هي ذات أصل رباني! فيها علم فوقي رباني (لدني) سمّاه المؤلف أيضاً (ميتافيزيقي) أي خارج حدود المادة (الكتاب موجه للغربيين ويخاطبهم) لأجل ذلك فإن انعدام المباديء العليا الحقيقية التي ترجع إلى وحي إلهي هي آفة الغرب الكبرى في العصر الحديث! فالغرب (مسخٌ) متوحش بهذه المادة التي طبعت كل شيء حتى المسحة الأخلاقية التي يتعلل بها بعض الغربيين إنما مسحة مكذوبة ليست مسيحية وإنما هي عدوة للمسيحية لأنها عدوة للدين وهي لم تعادِ الدين إلا لأنها عدو للعلم اللدني الإلهي!
ويحذر من المؤلف من (الحداثية الإسلامية) التي للأسف تغفل أصول الفكر الحداثي الغربي ومركزيته الأوروبية المادية لتتماهى مع بعض ظواهره وتذهب لتقيم الدليل على التوافق بين الدين الإسلامي والعلم الحديث ومعظم "القيم" الأخرى في "الحضارة" الغربية أو الشغف بالتدليل على أن الإسلام هو الدافعة للتقدم العلمي..ومن هنا كذلك يأتي منزلق من يبالغون في موضوع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم..
عموماً مقدمة الكتاب رائعة. وفكر الكاتب عميق وقوي ومتمكن في تحليل وتفكيك الغرب وبناءه الفكري المادي..
وكثيرة هي القضايا والمواضيع التي يطرحها كنقد مفهوم التقدم وتحليل مصطلح الحضارة الذي أطلق عام ١٨٣٥م وبيان خرافة مفهوم العلم وخرافة مفهوم الحياة حسب المقاييس الغربية وصعوبة التقارب لأنه لا تقارب إلا بأن يتخلى الغرب عن ماديته التي تهوي به ولا تزال إلى ظلمات سحيقة!