صورة التدوينة

يشهد العلاج النفسي تطورات مذهلة بفضل التقدم التكنولوجي، ومن أبرز التطورات استخدام تقنية الواقع الافتراضي(VR) في العلاج النفسي.
هذه التقنية التي كانت حكرا على ألعاب فيديو وأفلام الخيال العلمي، أصبحت الآن أداة قوية في أيدي المعالجين النفسيين، بحيث تفتح آفاقاً جديدة لعلاج مجموعة واسعة من الاضطرابات النفسية ولا سيما لمواجهة اضطراب ما بعد الصدمة ، القلق ، والرهاب.....
تعمل هذه التقنية على مساعدة المرضى في مواجهة مخاوفهم وذكرياتهم القاسية المرتبطة بمنشأ معاناتهم، لتثبت لهم أنهم يستطيعون البقاء على قيد الحياة زيارة تجاربهم القديمة بمحاكاة افتراضية.
حيث أوردت صحيفة "نيويورك تايمز" تجربة الجندي في مشاة البحرية الأميركية، كريس ميركل، الذي أصيب بعد خدمته الطويلة في كل من العراق وأفغانستان، بأعراض شديدة لاضطراب ما بعد الصدمة، فكان يشعر بالتوتر دائما، ويغضب بسهولة، ويتجنب التفكير أو الحديث عن الوقت الذي قضاه في الخدمة.

وبعد شهور، وعندما تفاقمت الأعراض وشعر ميركل باليأس من الحصول على حل لمشاكله النفسية، قرر تجربة العلاج بمحاكاة ذكرياته المؤلمة من خلال تقنية الواقع الافتراضي، في مستشفى المحاربين القدامى في لونغ بيتش، بكاليفورنيا.

وقال ميركل إن التفاصيل خلال تجارب المحاكاة كانت دقيقة للغاية، من حيث الشاحنة العسكرية، ووزن البندقية في يديه، ومنظر الرمال خلال الليل، وإطلاق النار عليه.

وخلال التجربة، وعندما أصبح بمواجهة ذكريات كان يتجنبها لأكثر من 10 أعوام، كانت عضلاته متوترة، وتسارع نبض قلبه، وشعر بالرعب، وقال إن "جسدي كان يتفاعل، لأن عقلي كان يقول: إن هذا يحدث لنا."

وبعد الانتهاء من جلسة العلاج الأولى بتقنية الواقع الافتراضي، شعر أن مواجهة الماضي أثبتت له أنه يستطيع مواصلة حياته، وأن الجلسة "كانت أكبر قفزة" في رحلته العلاجية المستمرة منذ سنوات.

وبعد حوالي سبع جولات من المحاكاة بتقنية الواقع الافتراضي، بدأ ميركل يستعيد أجزاء من ذاكرته، التي تجنبها دماغه كاستجابة شائعة لاضطراب ما الصدمة.
إلى جانب ذلك ، هناك دراسات كثيرة التي تنهال صوب إثبات أو دحض الواقع الافتراضي في علاج المشاكل والاضطرابات النفسية تتوالى يومًا بعد يوم، وهذا بالطبع يتطلّب وقتًا وجهدًا ومزيدًا من البحث قبل أن تصبح المعرفة المؤكدّة بمدى نجاح هذه التقنية ، ليُمكن بعدها قبول الواقع الافتراضي كأداة علاج رئيسية ومعتمدَة للمرضى النفسيين، أو رفضها، خصوصًا في ظلّ التزايد المستمر في أعداد مرضى الاضطرابات النفسية، إذ وبحسب منظمة الصحة العالمية يُتوقَع أن تتصدّر المشاكل النفسية قائمة الأمراض التي تؤثر في سكان الدول بحلول عام 2030.
أ. مريم ابراهيم فواز
ماجستير في علم النفس