صورة التدوينة

كاتب المقال : دكتور /محمد إبراهيم حسن عثمان، جامعة السلطان عبدالحليم معظم شاه الإسلامية العالمية(UNISHAMS) بماليزيا

علاقة علم الدلالة بعلوم اللغة :
هناك علاقة وثيقة بين علم الدلالة وباقي علوم اللفة وسوف نوجز ذلك فيما يأتي :
علم الأصوات :
هناك علاقة بين علم الدلالة والجانب الصوتى ، فالجانب الصوتى يؤثر فى المعنى عن طريق التنغيم والنبر .
مثال ذلك (1) : قوله تعالى فى سورة يوسف بعد فقد صواع الملك :} قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ؟ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ ؟ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُه{ .
جملة (جزاؤه) إذا قيلت بتنغيم (أى نغمة استفهام) تبين أنها سؤال ،يعني ما جزاؤه ؟ وجملة (من وجد فى رحله فهو جزاؤه) تقال بنغمة التقرير . كل ذلك سيقرب معنى الآيات فى الأذهان.
مثال (2) قوله تعالى آية 22 فى سورة الشعراء : } وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ ؟أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) { إذاقيلت بنغمة الاستفهام تقرب المعنى .أي هل تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ؟؟!
مثال (3) آية 94 فى سورة النساء } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ، تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ؟{ إذا قيلت بنغمة استفهام
يعني : هل تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ؟
مثال (4) كلمة ( صَه ْ)وكلمة (صَهٍ) الفرق بينهما فى النطق هو :الجانب الصوتى فى التنوين ، وكل كلمة منها لها معنى ؛ فالكلمة الأولى بالسكون ( صَهْ ) معناها اسكت عن هذا الموضوع وتكلم فى أمر آخر ، والكلمة الثانية (صَهٍ) بالتنوين تعنى : اسكت تماماً عن الكلام .
إذن الجانب الصوتى له تأثير فى الدلالة (المعنى) .
علاقة الدلالة بعلم الصرف :
إن دراسة الجانب الصرفى للكلمة يساعد فى فهم المعنى.
مثال (1):
الفرق بين ( أعطى ) و( استعطى )
الكلمة الأولى : تعنى شخص مُعطٍ لغيره شيئا.
الكلمة الثانية : تعنى شخص طلب أخذ شئ من شخص .
فالصيغة التى تبدأ بـ (است ) تدل على طلب .
مثال (2) :
الفرق بين (كاذب) و( كذّاب )
الأولى : تدل على "اسم فاعل" أن رجلا كذب مرة أو مرتين .
الثانية : صيغة مبالغة تعنى كثرة فعل الكذب .
فمعرفة الجانب الصرفى يؤثر فى المعنى .

3 – علاقة علم الدلالة بعلم النحو :
هناك علاقة بين الجانب النحوى والدلالة ، أمثلة ذلك :
مثال (1) :
زيد كريم ( تعنى) زيد كريم فقط
إنَّ زيدا كريم (تعنى أن السامع يشك فى الكلام فأنت تؤكد له) .
إنّ زيدا لَكريم : تعنى : أن السامع كثير الشك فى الكلام فأنت تزيد التأكيد أكثر .
ـ والله إنّ زيدا لكريم : تعنى أن السامع لا يصدق كلامك فأنت تقسم له حتى تؤكد صدق كلامك



مثال (2) : ما الفرق بين الجمل الآتية المتشابهة ؟
لا تأكلْ السمكَ وتشربْ اللبن ؛ تعنى نهى عن الأكل ونهى عن الشرب ؛فهى تعنى عدم الأكل وعدم الشرب .
لا تأكلْ السمكَ وتشربَ اللبن ؛ تعنى نهى عن أكل السمك مع شرب اللبن فى وقت واحد فقط ، لكن افعل كل واحد فى وقت منفصل عن الثانى .
لا تأكلْ السمكَ وتشربُ اللبن ؛ تعنى نهى عن أكل السمك لكن يجوز شرب اللبن .
مثال (3) : الآية 25 سورة الذاريات قصة سيدنا إبراهيم مع الملائكة :
} هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26){
يظن بعض الناس أن إبراهيم رد على الملائكة بنفس التحية سلام سلام ، لكن الجانب النحوى يبين أن إبراهيم رد التحية بأحسن منها كما قال تعالى : (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ( النساء86 . لأن الملائكة قالت : سلاماً بالنصب والتنوين يعنى : (نسلم سلاماً ) جملة فعلية ، وابراهيم قال : (سلامٌ )، بالرفع والتنوين أى : (هذا سلامٌ ) جملة اسمية والجملة الاسمية أقوى وأثبت من الجملة الفعلية . إذن تحية إبراهيم كانت أفضل من تحية الملائكة .
مثال (4) :
إذا قلنا : (أحمد قاتلُ زيدٍ ) و ( خالد قاتلٌ زيداً) ما الفرق بينهما فى الجانب النحوى ؟
الفرق بينهما :
الجملة الأولى : زيد مضاف إليه ، ولذلك كلمة قاتل غير منونة ، فالإضافة تعني الملازمة ، لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد. والاضافة تعنى الملازمة والالتصاق؛ أى إن أحمد هو من قتل زيداً
الجملة الثانية : ليس فيها إضافة بل كلمة قاتل منونة وكلمة (زيداً) مفعول به ومعناها أنه سوف يقتل فى المستقبل ، مثل قوله تعالى }: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ { سورة الكهف ، فالتنوين يمنع الاضافة .
4 – علاقة علم الدلالة بالمعجم :
فى المعجم نجد أن معنى ( قعد ) هو : جلس . لكن الدلالة تفرق بين المعنيين ، فقعد : أى أنه كان واقفا ثم قعد . أما جلس : تعنى أنه كان نائما أو متكئاً ثم جلس .
في الحديث : عن أبي موسى رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ وَفِي يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودٌ يَضْرِبُ بِهِ مِنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَفْتِحُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (افتح له وبشره بالجنة) فذهبت فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: (افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ) فَإِذَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ وَقَالَ: (افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ، أَوْ تَكُونُ) فَذَهَبْتُ فَإِذَا عُثْمَانُ فَفَتَحْتُ لَهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ، قَالَ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ( الأدب المفرد)
5 – علاقة علم الدلالة بعلم الوقف والابتداء في القرآن الكريم:
الوقف والابتداء فى القرآن يؤدى إلى تغير المعنى، وأمثلة ذلك:
مثال (1) :
قوله تعالى فى سورة القصص : } فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ..{
هنا إذا كانت علامة الوقف على (تَمْشِي صلى عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ)
معناها : أن القول كان على استحياء ، أى به حياء .
أما إذا غيرنا وضع علامة الوقف : (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ صلى قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ)
فمعناها : إن المشى هو الذى على استحياء وليس القول .
مثال (2) :
سورة القصص آية 9 : } وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ صلى لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) {.
معنى الآية : لا تقتلوا موسى
أما إذا تغيرت علامة الوقف هكذا: } وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا صلى تَقْتُلُوهُ ؟! عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) {. فمعنى الآية أن موسى سيكون قرة عين لها هى فقط ،أما لفرعون فلن يكون قرة عين له .
مثال (3) : سورة الأنعام آية 36 : } إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ م وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) {
الوقف لازم ولو أُلغى الوقف لتغير المعنى فأصبح : } إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى ...{ فكأن الموتى يستجيبون أيضا وهذا خطأ . إذن الوقف له علاقة بالمعنى والدلالة .