تنوعت الدراسات التاريخية التي اختصت بدراسة المشرق الاسلامي بشكل عام والتاريخ المغولي بشكل خاص،ولاسيما في الاونة الاخيرة ،وهذا بالتأكيد نابع من اهتمام واضح من قبل الباحثين بدراسة حقبة تاريخية مهمة لم تسلط عليها الاضواء خلال السنوات االماضية ،ويرجع السبب في ذلك الى ما يمتلكه عدد من الباحثين من جراءة علمية ،وتاريخية، وبحثية للبحث عن كل جديد للاطلاع على مكنوناته ،والغور في اعماقه لأكتشاف الجديد وابراز الحقيقة التي كانت غامضة لسنوات طوال.
نتج عن سيطرة جنكيز خان على الصين نتائج عدة سياسية وعسكرية، وحضارية ظهرت بشكلٍ كبير في دعم اركان الامبراطورية المغولية سواء في عهده أم في عهد خلفائه،حيث اسهم اندماج المغول مع الصينيين في ظهور عنصر جديد تمتع بأمكانياتٍ خلاقة مارست دوراً مهماً في نسج معالم جديدة لتاريخهم، ورسمت ملامح مستقبل مشرق لكلا الشعبين .فأفاد جنكيز خان وخلفاؤه من الكفاءات الفذة ،وممن لهم اسهاماتٍ ادارية وسياسية مهمة، يبعد الصينيون في مقدمتهم، لهذا أستوزر منهم واتخذ منهم المستشارين والولاة، ونالوا اعجابه وثقته اكثر من المغول انفسهم.
يعد يي- ليــو- جو- تسـاي"Yeh- lü- ch‘u- ts‘ai. (ت 640هـ/1242م)،من اهم وزراء ومستشاري جنكيزخان(ت 624ه/ 1226م)، واوكتاي خان (626- 639هـ/ 1228-1241م)،اذ عاش في البلاط المغولي لسنوات عدة قضى معظمها معهما، واصبح بمرور الوقت الذراع الايمن لهما .ورافقهما في معظم حملاتهم العسكرية،ولاسيما في الصين ،وبذل جهودا حثيثة من اجل اقناعهما بالتوقف عن القتل واعمار البلاد والافادة من السكان في ادارة الامبراطورية،وحرص على تدوين كل مشاهداته في مؤلفاته التي اصبحت مرجعا مهما لعدد من الباحثين ،وليس هذا فحسب فهو طبيب وصيدلي، وعالم فلكي بارع ، ولتنوع مهاراته وتعددها أُطلق عليه لقب " الحكيم.
لهذا الوزير انجازات ادارية عدة ؛ فله الفضل في اعداد ميزانية ثابتة للامبراطورية المغولية، وتطوير مؤسساتها كافة ،وحدد انواع الضرائب ومقدارها وطرائق جبايتها،واسهم بشكل ملحوظ في بناء عدد من المدارس لنشر الثقافة بين المغول،فضلا عن الاهتمام ببناء محطات البريد لدوره المهم في اوقات الحرب والسلم.
ونظراً لحكمته وبراعته في إداء واجباته تعرض لوشاياتٍ عدة دبرها عدد من الحاقدين عليه محاولين التخلص منه وزعزعة ثقة الحاكم المغولي به، ونجح عدد منهم في تحقيق اهدافهم ،فعُزل عن منصبه، غير ان انجازاته المتعددة بقيت محط اعجاب المؤرخين والمهتمين بدراسة التاريخ المغولي.
ومن الجدير بالذكر ان المصادر التاريخية الاصيلة ،ولاسيما تلك التي اهتمت بدراسة التاريخ المغولي لم تشر الى هذا الوزير، اذ لم نعثر على اية إشارةٍ له في" تاريخ جهانكشاي" للجويني (ت681هـ/1282م) او "جامع التواريخ" للهمذاني (ت718ه/ 1318م) على الرغم من انهما عاشا في البلاط المغولي، وقدموا خدمات جليلة لهم.
ويعد عهد الايلخان ارغون (683- 690ه /1284-1291م )، من اهم المراحل التاريخية في تاريخ ايلخانية المغول في بلاد فارس نظرا للتطورات السياسية والعسكرية التي شهدتها البلاد في عهده ،ولاسيما صراعه مع الايلخان احمد تكودار(681-682ه/1282-1283م)،ولما شهدته سياسته الداخلية مع وزرائه وفي مقدمتهم بوقا (ت 687ه / 1288 م)،وسعد الدولة (ت690ه/ 1291م) وانفرادهما بالسلطة ،ولما خلفه نزاعه العسكري مع الخانيات المغولية الاخرى مثل خانية جغتاي والقبيلة الذهبية من نتائج سلبية اثرت على مستقبل الامبراطورية عموما،واثرت سياسته السلبية التي اتبعها مع المسلمين ، والحاق الاذى بهم واستبعادهم عن الوظائف المهمة في الدولة.
وحظيت سياسته الخارجية محط اهتمامنا ،اذ اتسمت علاقته مع المماليك بالهدوء نوعا ما بسبب انشغال كلا منهما بمشاكله الداخلية،فضلا عن علاقته مع اوربا واهم السفارات التي تبودلت بين الطرفين من اجل مواجهة عدوهما المشترك وهم المماليك، وعلى الرغم من فشلها في تحقيق الغرض الذي أُرسلت من اجله فقد اسهمت في استمرار التبشير بالديانة المسيحية بين المغول ،فضلا عن الاطلاع على اخبار كلا الطرفين والتنبؤ بالمصالح المشتركة بينهما في المستقبل.
شهد عهد الايلخان كيخاتو (690-694ه/1291-1294هـ) احداثا وتداعيات سياسية وعسكرية عدة ،فعلى الرغم من قصر المدة التي حكم خلالها ايلخانية المغول في بلاد فارس ،فبعد ان ضبط امور الدوله ووزع الولايات على الامراء واجه تحديا خطيرا داخل دولته ،ولاسيما بعد ان تمرد ضده عدد من الامراء محاولين خلعه عن الحكم ،غير انه سرعان ما قضى على تمردهم وعفا عنهم وولاهم اهم المناصب في الدولة ،وتعد سياسته المتسامحة اهم نقاط ضعفه اذ عجلت في نهاية حكمه.
اثرت سياسة كيخاتو الداخلية على سياسته الخارجية مع المماليك وعلاقته مع الاديان الاخرى وفي مقدمتهم المسلمين ،واسهم اصدار عملة الجاو الورقية في اضطراب الاوضاع في عموم البلاد ،وتركت اثارا سلبية على اقتصاده مما دفعه لالغائها بعد مدة قصيرة .
وسلطنا الضوء على الدور السياسي ،والاداري، والعسكري المهم الذي مارسه الامير جوبان بن ملك بن تودان بن سودون(ت 728ه/1327م) في دولة المغول الايلخانيين في بلاد فارس ،فله اثر كبير في ارساء دعائم دولتهم ،واسهم في قمع كثير من التمردات والثورات التي اندلعت ضدهم منذ عهد الايلخان غازان( 694-703 ه / 1294- 1303م)،مرورا بعهد الايلخان محمد خدابندا اوليجايتو (703 - 716 ه / 1303-1316م) ،والايلخان ابو سعيد بهادر (717-736هـ/1317-1335م).
اصبح الامير جوبان اميرا للامراء والقائد العام للجيش، فضلا عن توليه الوصاية على الايلخان ابو سعيد بهادر،عندما كان عمره ثلاثة عشر سنة ،فتحكم به وبالبلاد كيفما شاء .
ولسعة سلطاته تعرض الامير جوبان لمحاولات اغتيال عدة ،ولم يسلم من وشايات الحاقدين وانتهت بمقتله بأمر من الايلخان ابو سعيد بهادر.سار اولاده واحفاده على نهجه،واحتلوا منزلة رفيعة في البلاط الايلخاني ،وليس هذا فحسب بل مارست النساء من اسرة جوبان دورا مماثلا لايقل تأثيرا عن الرجال.
اعتمدنا في دراستنا هذه على جملة من المصادر العربية الاصيلة ،فضلا عن المراجع الحديثة العربية ،والفارسية ،والتركية ،والانكليزية المعربة منها وغير المعربة نظراً لما زودتنا به من معلومات مهمة عن تاريخ الدولة الايلخانية ،واسعفتنا البحوث المنشورة في الدوريات من خلال ما اضافته من قيمة علمية مفيدة .
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن.
يجب أن تسجل الدخول لإضافة تعليق.