صورة التدوينة

تعد الاستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في المملكة العربية السعودية من الخطوات الهامة التي تهدف إلى تحقيق الريادة في عالم التقنية الحيوية على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتركز الاستراتيجية على تحسين الصحة الوطنية ورفع مستوى جودة الحياة، بالإضافة إلى حماية البيئة وتحقيق الأمن الغذائي والمائي، وتعظيم الفرص الاقتصادية وتوطين الصناعات الواعدة. وتهدف الاستراتيجية إلى أن تصبح المملكة مركزًا عالميًا للتقنية الحيوية بحلول عام 2040، حيث سيوفر القطاع فرصًا كبيرة لتعزيز صحة وجودة حياة المواطنين، وتعزيز النمو الاقتصادي وإيجاد وظائف نوعية واستثمارات تسهم في تطوير صناعات جديدة. وتتسق الاستراتيجية مع إمكانات المملكة التنافسية ومزاياها الفريدة، إذ أنها أكبر سوق إقليمي في مجال الأدوية واللقاحات، كما أنها تستثمر في القطاعات المرتبطة بالتقنية الحيوية، وتدعم تأهيل الكوادر الوطنية وتدريبها في مجالات البحث والتطوير والابتكار. وتتضمن الاستراتيجية أربعة مرتكزات استراتيجية هي: اللقاحات، التصنيع الحيوي والتوطين، الجينوم، وتحسين زراعة النباتات. وستُسهم الاستراتيجية ببرامجها ومبادراتها العديدة في تحفيز الجهود المبذولة لإيجاد الفرص لمُستثمري القطاع الخاص في مجال التقنية الحيوية.

وفي الحقيقة تعتبر تكنولوجيا الحيوية من القطاعات الحيوية الواعدة التي تتيح فرصًا كبيرة للتقدم العلمي والتنمية الاقتصادية. وتدرك المملكة أهمية هذا القطاع وقد اعتمدت استراتيجية واضحة لتعزيز تكنولوجيا الحيوية، ويهدف هذا المقال إلى استعراض بعض النصائح للاستفادة القصوى من هذه الاستراتيجية وتحقيق العائد المرجو منها.

تحمل الاستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية في المملكة العربية السعودية أهمية كبيرة في تعزيز التقنية الحيوية وتحقيق الريادة في هذا القطاع. وتهدف الاستراتيجية إلى تمكين الصناعة المحلية في مجال التقنية الحيوية من خلال تسهيل المتطلبات التنظيمية وتوفير البنية التحتية المناسبة والتمويل. كما تسعى الاستراتيجية إلى تحقيق الريادة للمملكة في عالم التقنية الحيوية على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتعزيز مكانتها كدولة رائدة في هذا القطاع.

وبناء على خبراتي الدولية الممتدة لسنوات في هذا المجال الحيوي الهام، وعملي أستاذا مساعدا في جامعة الباحة بالمملكة لمدة عشر سنوات، أود مشاركة الأخوة السعوديين بعض الأفكار الهامة لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه الإستراتيجية الطموحة. وبعد قراءة متأنية لتجارب الدول الرائدة في هذا المجال، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والصين التي تعد واحدة من القوى الكبرى في مجال التكنولوجيا الحيوية، وكندا وألمانيا وسنغافورة التي تعتبر نموذجًا ناجحًا في تطوير قطاع التكنولوجيا الحيوية، يمكننا الاستفادة منها كنماذج للتطور والابتكار. وأتضح أنه عند تطوير استراتيجيات لتعزيز التكنولوجيا الحيوية، يجب على البلدان أن تأخذ في الاعتبار عددًا من الأولويات ومنها:

1. التحديات الصحية والاجتماعية:
يجب أن تركز الاستراتيجية على تلبية الاحتياجات الصحية والاجتماعية للمجتمع، مثل تطوير علاجات للأمراض الوبائية والمزمنة وتحسين الرعاية الصحية وزيادة الإنتاج الغذائي. يمكن أن تسهم تكنولوجيا الحيوية في تحقيق هذه الأهداف من خلال تطوير علاجات جديدة وتحسين الأدوية وتطوير المحاصيل المقاومة للأمراض.

2. الأمن الغذائي:
يجب أن تهتم الاستراتيجية بتعزيز الأمن الغذائي وتحسين إنتاجية الزراعة. يمكن لتكنولوجيا الحيوية أن تسهم في تطوير المحاصيل المعدلة وراثياً لزيادة مقاومتها للآفات وتحسين صفاتها الغذائية وتطوير تقنيات الزراعة المستدامة.

3. الاستدامة البيئية:
يجب أن تركز الاستراتيجية على تطوير تكنولوجيا الحيوية التي تحافظ على الاستدامة البيئية وتقلل من التأثيرات البيئية السلبية. يمكن لتكنولوجيا الحيوية أن تساهم في تطوير مصادر الطاقة المتجددة ومعالجة المخلفات الصناعية وتخفيض انبعاثات الكربون.

4. التنمية الاقتصادية:
يجب أن تدعم الاستراتيجية التنمية الاقتصادية وتعزيز الابتكار والقدرة التنافسية. يمكن لتكنولوجيا الحيوية أن تساهم في تطوير صناعات جديدة وخلق فرص عمل وزيادة الصادرات.

5. التعاون الدولي:
يجب أن تعزز الاستراتيجية التعاون الدولي والشراكات مع البلدان الأخرى والمؤسسات الدولية والشركات الخاصة. يمكن تبادل المعرفة والتجارب والتعاون في مجال البحث والتطوير لتعزيز التكنولوجيا الحيوية.

هذه بعض الأولويات التي يمكن للبلدان أن تأخذها في الاعتبار عند تطوير استراتيجيات لتعزيز تكنولوجيا الحيوية. ويجب أن تتم دراسة الاحتياجات والظروف المحلية لكل بلد لتحديد هذه بعض الأولويات، كما يجب أن تتم دراسة الاحتياجات والظروف المحلية لكل بلد لتحديد الأولويات الأكثر أهمية والتي تتوافق مع قدراتها ومواردها.

ركيزة النجاح في رحلة الابتكار الحيوي

بناء على ما سبق، يجب على السعودية أن تستثمر في تطوير البنية التحتية اللازمة لتعزيز تكنولوجيا الحيوية، مثل تأسيس مراكز بحثية ومختبرات متطورة وتوفير البنية التقنية اللازمة. ويجب أن تركز البنية التحتية على تأمين البيئة المناسبة للباحثين والمبتكرين وتعزيز التعاون بين الجامعات والشركات الخاصة.

ويجب أن تقوم السعودية بدعم البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا الحيوية من خلال توفير التمويل المناسب وتشجيع الابتكار والاستثمار في المشاريع الواعدة، ويمكن تعزيز التعاون بين الأكاديميين والصناعة من خلال تقديم المنح البحثية وتنظيم ورش العمل والمؤتمرات المتخصصة.

ويجب أن تسعى السعودية لجذب الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا الحيوية، كما فعلت مؤخرا في العديد من المجالات الاستثمارية، عن طريق إنشاء بيئة استثمارية ملائمة وتقديم المزايا والتسهيلات للشركات الوطنية والدولية. يمكن تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتسهيل نقل التكنولوجيا وتوسيع قدرات الإنتاج والتسويق.

ولتشجيع الشركات الوطنية على الاستثمار في التكنولوجيا الحيوية، يمكن للحكومة اتخاذ عدة خطوات لتوفير بيئة استثمارية مشجعة وملائمة للشركات الوطنية. ويمكن أن يشمل ذلك توفير حوافز ضريبية وتسهيلات قانونية للشركات العاملة في مجال التكنولوجيا الحيوية. كما يمكن أيضا للحكومة تقديم التمويل والدعم المالي للشركات الوطنية التي تستثمر في التكنولوجيا الحيوية من خلال إنشاء صندوق استثماري خاص للتكنولوجيا الحيوية أو توفير برامج قروض ميسرة ومنح مالية للشركات الناشئة والمشاريع الواعدة، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص في مجال التكنولوجيا الحيوية من خلال تنظيم ورش عمل ومؤتمرات لتبادل المعرفة والتجارب، وتوفير الدعم الفني والاستشاري للشركات الوطنية، وتسهيل نقل التكنولوجيا من المؤسسات البحثية إلى الشركات.

كما يجب أن تولي السعودية اهتمامًا خاصًا بتطوير المهارات والقدرات في مجال التكنولوجيا الحيوية. ويمكن ذلك من خلال إنشاء برامج تعليمية وتدريبية متخصصة وتعزيز التعليم العالي والدراسات العليا في هذا المجال. كما يجب أن تعمل الحكومة والمؤسسات التعليمية والصناعية سويًا لتطوير المناهج وتوفير فرص التدريب العملي في مجال التكنولوجيا الحيوية للكوادر الوطنية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء برامج تدريبية متخصصة، وتوفير المنح الدراسية للطلاب والباحثين في هذا المجال.

ويجب على الحكومة تطوير القوانين واللوائح المناسبة لدعم وتنظيم قطاع التكنولوجيا الحيوية. وينبغي أن تكون هذه القوانين متوافقة مع المعايير الدولية وتوفر حماية للملكية الفكرية وتشجع على الابتكار والاستثمار. ويمكن للحكومة تشجيع الشركات الوطنية في مجال التكنولوجيا الحيوية على إقامة شراكات مع شركات دولية ذات خبرة في هذا المجال. كما يمكن أن تساعد الشراكات الدولية في نقل التكنولوجيا وتوسيع رؤوس الأموال وزيادة الفرص التجارية.

ويجب على المملكة أن تعمل على تعزيز التوعية بفوائد التكنولوجيا الحيوية وتسويق الإنجازات والابتكارات المحلية في هذا المجال، كما يمكن تنظيم حملات توعوية وإطلاق حملات إعلانية وترويجية للتعريف بالتقنيات والمنتجات الحيوية وتشجيع الاستخدام الواسع لها، وتنظيم مسابقات وجوائز في مجال التكنولوجيا الحيوية وتوفير المساحات العامة لعرض المنتجات والابتكارات، والمشاركة في المعارض والمؤتمرات الدولية، لتشجيع الشركات الوطنية على الاستثمار في هذا المجال.

وفي النهاية، تعتبر تكنولوجيا الحيوية فرصة حقيقية للسعودية لتحقيق التنمية المستدامة والابتكار في مجالات الصحة والزراعة والبيئة. ومن خلال تنفيذ استراتيجية قومية شاملة وتنفيذ النصائح المذكورة أعلاه، يمكن للسعودية تعزيز قدراتها وتحقيق العائد المرجو من التكنولوجيا الحيوية، مع أطيب الأمنيات للملكة وقيادتها الرشيدة بدوام الرقي والازدهار.