صورة التدوينة

في إنجاز علمي بارز، كشف فريق دولي من الباحثين بقيادة جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) عن خريطة جينية شاملة لنوع من الأعشاب البرية ذات الصلة الوثيقة بالقمح، وهي Aegilops tauschii. هذا الإنجاز يمثل خطوة هامة نحو فهم أعمق لتاريخ تطور القمح وتطوير أصناف جديدة منه تتمتع بمقاومة أكبر للأمراض والظروف البيئية القاسية.

قمح اليوم من أين أتى؟
يعود أصل القمح الذي نستهلكه اليوم إلى تزاوج ثلاثة أنواع من الأعشاب البرية، وكان أحد هذه الأنواع هو Ae. tauschii الذي ساهم بالجينوم D للقمح الحديث. لطالما مثلت الأقارب البرية للقمح مخزناً جينياً غنياً بصفات وراثية مفيدة يمكن توظيفها لتحسين أصناف القمح الحالية.

رحلة استكشاف الجينوم
قام الباحثون في كاوست بفحص عينات عديدة من Ae. tauschii ورسموا خريطة جينية شاملة لها، مما سمح لهم بتحديد الجينات المسؤولة عن صفات مهمة مثل مقاومة الأمراض. وقد تمكنوا من تحديد جينات مقاومة الصدأ الساقي والصدأ الورقي، وهي أمراض تهدد إنتاج القمح في العديد من المناطق حول العالم.

أهمية هذا الاكتشاف
• تطوير أصناف جديدة: يمكن استخدام هذه المعلومات لتطوير أصناف قمح جديدة تتمتع بمقاومة أكبر للأمراض والظروف البيئية القاسية، مما يساهم في ضمان الأمن الغذائي العالمي.
• فهم التطور: يساعد هذا الاكتشاف على فهم أعمق لتاريخ تطور القمح وكيفية تكيفه مع البيئات المختلفة.
• الحفاظ على التنوع البيولوجي: يساهم هذا البحث في الحفاظ على التنوع البيولوجي للأقارب البرية للقمح، والتي تمثل مصدراً هاماً للصفات الوراثية المفيدة.

تحديات المستقبل
على الرغم من هذا الإنجاز الكبير، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به. يتطلب تطوير أصناف قمح جديدة ذات صفات محسنة جهوداً متضافرة من الباحثين والمزارعين وصناع السياسات. كما يجب مواجهة تحديات مثل التغير المناخي وتزايد الطلب على الغذاء.

الطرق التقنية المستخدمة في البحث
لتحقيق هذا الإنجاز العلمي المتمثل في فك شفرة الجينوم الخاص بـ Aegilops tauschii، اعتمد الباحثون على مجموعة من التقنيات الجينية الحديثة المتطورة، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:

• تسلسل الجينوم: تم استخدام تقنيات تسلسل الجينوم من الجيل التالي (Next-Generation Sequencing) لتحديد تسلسل القواعد النيتروجينية في الحمض النووي لآلاف العينات من Ae. tauschii.
• تجميع الجينوم: تم استخدام خوارزميات حاسوبية متقدمة لتجميع قطع تسلسل الجينوم القصيرة للحصول على خريطة كاملة للجينوم.
• تحليل البيانات: تم استخدام أدوات حاسوبية متخصصة لتحليل البيانات الجينية الضخمة، وتحديد الجينات والطفرات المرتبطة بصفات معينة مثل مقاومة الأمراض.
• المقارنة الجينومية: تم مقارنة الجينوم الخاص بـ Ae. tauschii مع جينوم القمح الحديث لتحديد المناطق المشتركة والاختلافات بينهما.
الآثار المحتملة لهذا الاكتشاف على صناعة الزراعة
يفتح هذا الاكتشاف آفاقاً جديدة أمام صناعة الزراعة، حيث يمكن الاستفادة من هذه المعلومات الجينية على النحو التالي:
• تطوير أصناف قمح مقاومة للأمراض: يمكن استخدام الجينات المكتشفة لتطوير أصناف قمح جديدة تتمتع بمقاومة عالية للأمراض الفطرية والبكتيرية، مما يقلل من الحاجة إلى المبيدات الحشرية والكيمياويات الأخرى.
• تحسين الإنتاجية: يمكن تطوير أصناف قمح ذات إنتاجية أعلى وقادرة على تحمل الظروف البيئية القاسية مثل الجفاف والملوحة.
• التكيف مع التغير المناخي: يمكن تطوير أصناف قمح قادرة على التكيف مع التغيرات المناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار.
• تقليل الفاقد الغذائي: يمكن تطوير أصناف قمح ذات جودة تخزين أعلى، مما يقلل من الفاقد الغذائي أثناء النقل والتخزين.
• تطوير أغذية وظيفية: يمكن تطوير أصناف قمح غنية بالعناصر الغذائية مثل الفيتامينات والمعادن والألياف، مما يساهم في تحسين الصحة العامة.

تحديات المستقبل
على الرغم من الإمكانات الهائلة لهذا الاكتشاف، إلا أن هناك بعض التحديات التي يجب التغلب عليها لتحقيق الاستفادة القصوى منه، مثل:
• الترجمة من المختبر إلى الحقل: يتطلب نقل التكنولوجيا الجينية من المختبر إلى الحقل وقتاً وجهداً كبيرين.
• القضايا الأخلاقية: تثير الهندسة الوراثية للمحاصيل بعض القضايا الأخلاقية والبيئية التي يجب أخذها في الاعتبار.
• التكلفة: قد تكون تكاليف تطوير الأصناف الجديدة مرتفعة، مما يحد من قدرة المزارعين الصغار على الوصول إليها.

أهمية حماية التنوع البيولوجي للأقارب البرية للقمح
تُعد الأقارب البرية للقمح مخزناً جينياً هائلاً، يحمل في طياته صفات وراثية قيمة يمكن أن تساهم في تحسين المحاصيل الزراعية، وخاصة القمح. حماية التنوع البيولوجي لهذه الأنواع أمر بالغ الأهمية لأسباب عدة:
1. مصدر للصفات الوراثية المقاومة للأمراض والآفات:
• مقاومة الأمراض: تحتوي هذه الأنواع على جينات تمنح مقاومة طبيعية لمجموعة واسعة من الأمراض الفطرية والبكتيرية والفيروسية التي تصيب القمح.
• التحمل البيئي: تحمل هذه الأنواع ظروفاً بيئية قاسية مثل الجفاف والملوحة والحرارة الشديدة، مما يجعلها مصدراً قيماً للصفات التي يمكن نقلها إلى أصناف القمح المزروعة.
2. أساس لتطوير أصناف جديدة:
• تحسين الإنتاجية: يمكن استخدام الجينات الموجودة في الأقارب البرية لزيادة إنتاجية المحاصيل، وتحسين جودتها الغذائية.
• التكيف مع التغير المناخي: يمكن تطوير أصناف قمح قادرة على التكيف مع التغيرات المناخية المتوقعة، مثل ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار.
3. الحفاظ على التوازن البيئي:
• تنوع النظم البيئية: تساهم هذه الأنواع في الحفاظ على التنوع البيولوجي للأنظمة البيئية التي تنمو فيها، مما يعزز صحة التربة ويحمي من التدهور البيئي.
• دعم الحشرات النافعة: توفر هذه الأنواع موائل للحشرات النافعة مثل الملقحات والحشرات المفترسة، مما يساهم في مكافحة الآفات الزراعية بطرق طبيعية.
4. الأمن الغذائي:
• ضمان استدامة الإنتاج الزراعي: يساهم الحفاظ على التنوع البيولوجي للأقارب البرية للقمح في ضمان استدامة الإنتاج الزراعي على المدى الطويل، وزيادة قدرة الزراعة على مواجهة التحديات المستقبلية.

التحديات التي تواجه حماية التنوع البيولوجي للأقارب البرية للقمح:
• تدمير الموائل الطبيعية: يؤدي التوسع العمراني والزراعي إلى تدمير الموائل الطبيعية لهذه الأنواع.
• التغيرات المناخية: تؤثر التغيرات المناخية سلباً على انتشار وتوزيع هذه الأنواع.
• الأمراض والآفات: تتعرض هذه الأنواع للهجوم من قبل الأمراض والآفات، مما يهدد بقائها.

الحلول المقترحة:
• إنشاء مناطق محمية: إنشاء مناطق محمية لحماية الموائل الطبيعية لهذه الأنواع.
• البرامج البحثية: دعم البرامج البحثية لدراسة هذه الأنواع وفهم بيئاتها.
• بنوك الجينات: إنشاء بنوك جينات لحفظ المواد الوراثية لهذه الأنواع.
• التوعية المجتمعية: نشر الوعي بأهمية هذه الأنواع ودورها في الحفاظ على التنوع البيولوجي.
• التعاون الدولي: تعزيز التعاون الدولي لحماية التنوع البيولوجي على المستوى العالمي.

يمثل هذا الاكتشاف خطوة مهمة نحو مستقبل أكثر استدامة للأمن الغذائي. فبفضل التقدم في مجال الجينوميات، أصبح بإمكاننا الآن فهم القمح على مستوى جزيئي، وتطوير أصناف جديدة تلبي احتياجات العالم المتزايدة. وبفضل هذا الفهم الأعمق للجينوم القمح، يمكننا تطوير أصناف أكثر مقاومة للأمراض والظروف البيئية القاسية، مما يساهم في ضمان إمدادات غذائية كافية للأجيال القادمة.
في الختام، حماية التنوع البيولوجي للأقارب البرية للقمح أمر حيوي لضمان مستقبل مستدام للإنتاج الزراعي والأمن الغذائي. من خلال جهود مشتركة، يمكننا الحفاظ على هذا المورد الثمين للأجيال القادمة. ويتطلب تحقيق هذا الهدف جهوداً متضافرة من الباحثين والمزارعين وصناع السياسات.