د. طارق قابيل
تخيل أن تمتلك كاميرا تستطيع التقاط صورة لشعرة وهي تنمو، أو لقطة لقطرة ماء وهي تسقط. الآن، تخيل كاميرا أسرع ملايين المرات، قادرة على التقاط صورة لإلكترون وهو يتحرك بسرعة البرق داخل الذرة! هذا الإنجاز العلمي الهائل الذي طالما حلم به العلماء أصبح حقيقة واقعة بفضل فريق بحثي بقيادة العالم المصري الدكتور محمد ثروت حسن. والذي تمكن هو وفريقه من تطوير ميكروسكوب إلكتروني فائق السرعة يسمح لنا برؤية العالم على مستوى الأتوثانية، أي جزء من مليار من مليار جزء من الثانية. هذا الإنجاز الثوري يفتح آفاقًا جديدة لفهمنا للكون المحيط بنا.
الرؤية في الأتوثانية: كشف حركة الإلكترون في الوقت الحقيقي
حقق العلماء اختراقًا في تكنولوجيا التصوير، حيث وصلوا إلى دقة أسرع بملايين المرات من أي وقت مضى. تسمح هذه التقنية الجديدة، التي أطلق عليها "التصوير الذري"، للباحثين بمراقبة حركة الإلكترونات داخل المواد في الوقت الحقيقي، في مقياس زمني للأتوثانية (الأتوثانية الواحدة إلى الثانية تعادل الثانية إلى 31.7 مليار سنة).
في السابق، لم تتمكن المجاهر الإلكترونية فائقة السرعة إلا من التقاط الحركات الذرية، محدودة بدقة تتراوح بين عشرات ومئات الفيمتوثانية (الفيمتو ثانية أسرع بمليون مرة من البيكو ثانية). يتجاوز هذا البحث الجديد، المنشور في مجلة Science Advances، هذا الحد من خلال توليد نبضات إلكترونية في الأتوثانية الواحدة.
المجهر الإلكتروني الأتوثانية
حقق الباحثون دقة الأتوثانية باستخدام نبضة ليزر مصممة خصيصًا "لبوابة" شعاع الإلكترون داخل مجهر إلكتروني ناقل. تختار عملية البوابة هذه أساسًا نافذة أتوثاندية واحدة داخل نبضة الإلكترون، مما يسمح بتصوير عالي الدقة بشكل لا يصدق.
استخدم الباحثون مجهرهم الإلكتروني الأتوثانية لدراسة حركة الإلكترونات في الجرافين، وهي طبقة واحدة من ذرات الكربون مرتبة في شبكة قرص العسل. وقد نجحوا في التقاط ديناميكيات نصف الدورة الفرعية لهذه الإلكترونات التي تحركها نبضة ليزر قوية.
ما أهمية ذلك الابتكار الهام؟
حركة الإلكترون أساسية للعديد من العمليات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية. من خلال الملاحظة المباشرة لهذه الحركات، يمكن للعلماء اكتساب فهم أعمق لكيفية عمل المواد على المستوى الذري. إن هذه المعرفة قد تؤدي إلى تقدم في مجالات مختلفة، كما أن المجهر لديه القدرة على إحداث ثورة في فهمنا لمجموعة واسعة من الظواهر، بما في ذلك:
فيزياء الكم: دراسة مراقبة سلوك الإلكترونات وكيفية تصرف الإلكترونات في الأنظمة الكمومية.
علم المواد: دراسة خصائص المواد على المستوى الذري وتصميم مواد جديدة بخصائص محددة.
الكيمياء: فهم فهم آليات التفاعلات الكيميائية وكيفية حدوث التفاعلات الكيميائية على المستوى الذري.
علم الأحياء: الكشف عن العمليات الأساسية للحياة.
عصر جديد من التصوير: المجهر الإلكتروني الأتوثانية
التداعيات المستقبلية: إحداث ثورة في فهمنا للمادة
حقق العلماء إنجازًا رائدًا في تكنولوجيا التصوير، حيث تمكنوا من التقاط حركة الإلكترونات في الوقت الفعلي بتفاصيل غير مسبوقة. يفتح هذا الاختراق، المعروف باسم "التصوير الذري"، آفاقًا جديدة في الفيزياء والكيمياء والأحياء من خلال السماح للباحثين بمراقبة العمليات الأساسية التي تحكم سلوك المادة على المستوى الذري.
تحدي تصوير الإلكترونات
تتحرك الإلكترونات بسرعة لا تصدق، وتكمل مليارات التذبذبات في ثانية واحدة. كان التقاط تحركاتها تحديًا هائلاً للعلماء. في حين تقدم المجهر الإلكتروني فائق السرعة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، فقد اقتصر على تصوير ديناميكيات الذرة، ولم يصل إلى الدقة الزمنية المطلوبة لمراقبة حركة الإلكترون.
كسر الحواجز
تغلب الفريق وراء هذا الاختراق على هذه القيود من خلال تطوير تقنية جديدة تولد نبضات إلكترونية في الأتوثانية. إن هذه النبضات قصيرة بشكل لا يصدق، حيث لا تدوم سوى جزء من الفمتوثانية (مليون من مليار من الثانية). وباستخدام هذه النبضات، تمكن الباحثون من التقاط حركة الإلكترونات في الجرافين بدقة غير مسبوقة.
التحديات والقيود
على الرغم من أن العرض الأولي للمجهر الإلكتروني الأتوثاني يمثل تقدمًا كبيرًا، إلا أنه لا يزال هناك العديد من الأسئلة التي يتعين الإجابة عليها والتحديات التي يتعين التغلب عليها. فيما يلي بعض الرؤى الإضافية حول هذه التكنولوجيا الواعدة:
التحديات التقنية: إن توليد نبضات إلكترونية في الأتوثانية والتحكم فيها يمثل تحديًا تقنيًا معقدًا، ويتطلب أنظمة ليزر متقدمة ومحاذاة دقيقة.
إعداد العينة: قد يكون تحضير العينات للمجهر الإلكتروني الأتوثاني أمرًا صعبًا، حيث يجب أن تكون العينات رقيقة للغاية ومستقرة لتحمل شعاع الإلكترون المكثف.
تحليل البيانات: يتطلب تحليل البيانات التي يتم إنشاؤها بواسطة المجهر الإلكتروني الأتوثاني تقنيات حسابية متطورة.
الاتجاهات المستقبلية
على الرغم من هذه التحديات، فإن إمكانات المجهر الإلكتروني الأتوثاني هائلة. قد تركز الأبحاث المستقبلية على:
تحسين الدقة الزمنية: تعزيز الدقة الزمنية للتقنية بشكل أكبر لالتقاط حركات الإلكترونات الأسرع.
توسيع التطبيقات: تطبيق المجهر الإلكتروني الأتوثاني على مجموعة أوسع من المواد والأنظمة، مثل الجزيئات البيولوجية والمواد الكمومية.
الجمع مع تقنيات أخرى: دمج المجهر الإلكتروني الأتوثاني مع تقنيات التصوير الأخرى، مثل المجهر بالأشعة السينية، لتوفير فهم أكثر شمولاً لديناميكيات المادة.
تطوير تطبيقات جديدة: استكشاف التطبيقات المحتملة في مجالات مثل الحوسبة الكمومية، وعلوم المواد، واكتشاف الأدوية.
مستقبل المجهر
لا تزال هذه التكنولوجيا الرائدة في مراحلها المبكرة، لكنها تحمل وعدًا هائلاً للبحوث المستقبلية. ومع استمرار العلماء في تحسين المجهر الإلكتروني الأتوثانية، يمكننا أن نتوقع رؤية المزيد من الاكتشافات الرائعة في السنوات القادمة.
في حين أن العرض الأولي للمجهر الإلكتروني الأتوثاني يمثل تقدمًا كبيرًا، إلا أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين استكشافه وتطويره. وفيما يلي بعض الاتجاهات المستقبلية المحتملة لهذه التكنولوجيا:
تحسين الدقة الزمنية: قد يتمكن العلماء من تعزيز الدقة الزمنية للمجهر الإلكتروني الأتوثاني بشكل أكبر، مما يسمح لهم بالتقاط حركات الإلكترونات بشكل أسرع.
توسيع التطبيقات: يمكن تطبيق هذه التقنية على مجموعة أوسع من المواد والأنظمة، مما يوفر رؤى حول خصائصها وسلوكها.
الجمع مع تقنيات أخرى: يمكن دمج المجهر مع تقنيات التصوير الأخرى، مثل المجهر بالأشعة السينية، لتوفير صورة أكثر اكتمالاً لديناميكيات المادة.
تطوير تطبيقات جديدة: يمكن استخدام التكنولوجيا لتطوير تطبيقات جديدة في مجالات مثل الحوسبة الكمومية، وعلوم المواد، واكتشاف الأدوية.
محمد ثروت حسن: خليفة زويل في عالم الأتوثانية
بدأ الدكتور محمد ثروت حسن مسيرته الأكاديمية في مصر، حيث تخرج من قسم الكيمياء بكلية العلوم بجامعة الفيوم. ثم واصل دراساته العليا في المعهد القومي لعلوم الليزر بجامعة القاهرة، حيث حصل على درجة الماجستير.
بعد ذلك، انتقل الدكتور حسن إلى ألمانيا للحصول على الدكتوراه في فيزياء الأتوثانية من معهد ماكس بلانك، تحت إشراف العالم الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء فيرنس كراوس. وقد كانت هذه الفترة حاسمة في تشكيل مسيرته العلمية، حيث تعمق في دراسة حركة الإلكترونات على مستوى الأتوثانية.
بعد حصوله على الدكتوراه، انتقل الدكتور حسن إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث انضم إلى المجموعة البحثية للدكتور أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء، في جامعة كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك). وقد عمل هناك كباحث ما بعد الدكتوراه، مستفيداً من خبرة زويل في مجال الفيمتوثانية.
وفي عام 2017، انتقل الدكتور حسن إلى جامعة أريزونا حيث أسس مجموعته البحثية الخاصة، وبدأ في إجراء أبحاث رائدة في مجال فيزياء الأتوثانية. وقد حقق العديد من الإنجازات المميزة في هذا المجال، مما جعله أحد أبرز العلماء في العالم في هذا التخصص.
روي العالم المصري محمد ثروت حسن رحلته العلمية الملهمة، بدءًا من تخرجه في جامعة الفيوم وحتى تأسيس مجموعته البحثية في جامعة أريزونا. وقد حظي حسن بفرصة فريدة للتلمذة على يد عملاقين في مجال الفيزياء والكيمياء هما أحمد زويل وفيرينس كراوس، اللذان حازا جائزة نوبل.
ويمكن تلخيص مسيرة الدكتور محمد ثروت حسن على النحو التالي:
البداية في مصر: دراسة الكيمياء والماجستير في علوم الليزر.
الدكتوراه في ألمانيا: التعمق في فيزياء الأتوثانية تحت إشراف كراوس.
البحث بعد الدكتوراه في الولايات المتحدة: العمل مع زويل في كالتك.
تأسيس مجموعة بحثية مستقلة: في جامعة أريزونا والتركيز على أبحاث الأتوثانية.
هذه السيرة الذاتية المختصرة تسلط الضوء على أهم المحطات في حياة الدكتور حسن، وتوضح كيف تمكن من بناء مسيرة علمية حافلة بالإنجازات.
يركز بحث حسن على فيزياء الأتوثانية، وهي مجال يدرس حركة الإلكترونات في أجزاء من مليار مليار من الثانية. وقد تمكن من تطوير تقنيات جديدة لتصوير حركة الإلكترونات في المواد، مما يفتح آفاقًا جديدة لتطبيقات في مجالات مثل الكيمياء والطب.
خاتمة:
إن تطوير الميكروسكوب الإلكتروني الأتوثانية يمثل قفزة نوعية في مجال العلم والتكنولوجيا. لقد فتح هذا الاكتشاف آفاقًا جديدة لفهمنا للكون على المستوى الذري، ويساهم في تطوير تقنيات جديدة ستغير حياتنا في المستقبل. ومع استمرار التقدم في هذا المجال، يمكننا توقع المزيد من الاكتشافات المذهلة التي ستغير نظرتنا إلى العالم.
ويمثل المجهر قفزة كبيرة إلى الأمام في قدرتنا على دراسة اللبنات الأساسية للمادة. من خلال توفير رؤى غير مسبوقة حول حركة الإلكترون، فإن هذه التكنولوجيا لديها القدرة على إحداث ثورة في فهمنا للعالم من حولنا وتؤدي إلى اكتشافات رائدة في مختلف المجالات العلمية. كما يمثل المجهر اختراقًا كبيرًا في تكنولوجيا التصوير، حيث يقدم رؤى غير مسبوقة في العمليات الأساسية التي تحكم سلوك المادة. وفي حين أن هناك تحديات يجب التغلب عليها، فإن إمكانات هذه التكنولوجيا هائلة، ومن المرجح أن تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل مستقبل العلوم والتكنولوجيا.
ويفتح المجهر أبواب عصر جديد من الاستكشاف العلمي. من خلال المراقبة المباشرة لحركة الإلكترونات في الوقت الفعلي، يمكن للباحثين اكتساب رؤى غير مسبوقة حول العمليات الأساسية للمواد والأنظمة البيولوجية. تتمتع هذه التكنولوجيا بالقدرة على إحداث ثورة في فهمنا للعالم من حولنا وتمهيد الطريق لاكتشافات رائدة في مختلف المجالات العلمية.
إن هذا الإنجاز بقيادة عالم مصري عظيم يمثل نقلة نوعية في مجال الفيزياء، ويفتح آفاقًا جديدة للبحث العلمي. فبفضل هذا الميكروسكوب الفائق الدقة، أصبح بإمكاننا الآن رؤية العالم على مستوى أصغر بكثير مما كنا نتصور من قبل. هذا الإنجاز هو دليل على أن العلماء المصريين قادرون على المنافسة على أعلى المستويات العالمية، وأنهم يساهمون بشكل كبير في تقدم العلم والمعرفة.
التعليقات
امسح
يجب أن تسجل الدخول لإضافة تعليق.