منصة إيفاد العلمية
تدوينات د. بلقيس محمد أبو جامع
صورة التدوينة
ثقافة النفاق!!
#مقال: ثقافة النفاق!!
كتبته|| د.بلقيس محمد أبو جامع
أستاذ أصول التربية المساعد

يعتبر النفاق من أخطر الأمراض الاجتماعية التي قد تفتك بمقومات أي مجتمع أو دولة، عندما يسود النفاق في دولة ما، فإنه يضعف بنيانها الداخلي ويجعلها عرضة للسقوط والنزاعات الداخلية والحروب. سأناقش في هذا المقال تأثير النفاق على الفرد والمجتمع وكيف يمكن للنفاق أن يضعف الدول ويجعلها عرضة للانهيار.

بداية النفاق هو ظاهرة اجتماعية تتجلى في التناقض بين ما يقوله الفرد وما يفعله، وبين ما يظهره من مشاعر وما يخفيه في قلبه. حيث تنتشر هذه الظاهرة في مجتمعاتنا بشكل ملحوظ، وتؤثر سلباً على بناء النسيج الاجتماعي وتساهم في تدهور القيم الأخلاقية.
والنفاق هو إظهار الشخص لموقف أو سلوك معين أمام الناس بينما يخفي موقفاً أو شعوراً مخالفاً في قلبه، ويتمثل النفاق في مجالات متعددة مثل العلاقات الاجتماعية، والسياسية، والدينية.

أسباب انتشار النفاق
1. ضعف القيم الأخلاقية: يؤدي تراجع القيم الأخلاقية في المجتمع إلى انتشار النفاق، حيث يصبح الكذب والخداع أمراً طبيعياً.
2. الضغوط الاجتماعية: يسعى الأفراد إلى التكيف مع المعايير الاجتماعية المفروضة عليهم حتى لو كانت تتعارض مع قناعاتهم الشخصية.
3. الطموح الشخصي: قد يلجأ البعض إلى النفاق لتحقيق مصالح شخصية أو مهنية، مثل الترقية في العمل أو الحصول على مكاسب مادية.
4. الخشية من النقد أو العقاب: يخشى الأفراد من الانتقاد أو العقوبات الاجتماعية إذا أظهروا آرائهم ومواقفهم الحقيقية.

تأثيرات النفاق على المجتمع
1. تفكك الثقة: يؤدي النفاق إلى فقدان الثقة بين أفراد المجتمع، حيث يصبح من الصعب التمييز بين الحقيقة والزيف.
2. زيادة التوتر الاجتماعي: تساهم العلاقات المبنية على النفاق في زيادة التوتر والصراعات داخل المجتمع.
3. تدهور القيم الأخلاقية: يساهم انتشار النفاق في تدهور القيم والمبادئ الأخلاقية، مما يؤدي إلى فساد المجتمع على المدى الطويل.
4. تعطيل التقدم: يمنع النفاق التطور الاجتماعي والثقافي، حيث يتم تعطيل النقد البناء والتغيير الإيجابي.

تأثير النفاق على الدول
1. ضعف القيادة: عندما يسود النفاق بين القادة والمسؤولين، يصبح من الصعب تمييز الصادقين من المنافقين. هذا يؤدي إلى ضعف القرارات الإدارية والسياسية، ويجعل الدولة عرضة للأزمات الداخلية.
2. تفكك الوحدة الوطنية: النفاق يساهم في نشر الفتن والانقسامات بين أفراد الشعب، مما يؤدي إلى تفكك الوحدة الوطنية وزيادة التوترات الاجتماعية.
3. انهيار القيم والمبادئ: تنتشر قيم الخداع والكذب بدلاً من الصدق والأمانة، مما يؤدي إلى تدهور القيم الأخلاقية والمبادئ التي تقوم عليها المجتمعات السليمة.
4. تدهور الاقتصاد: النفاق في الإدارة الاقتصادية يؤدي إلى الفساد والمحسوبية، مما يعوق النمو الاقتصادي ويزيد من معدلات الفقر والبطالة.

الأمثلة التاريخية والدروس المستفادة
1. الإمبراطورية الرومانية: أحد أسباب سقوط الإمبراطورية الرومانية هو انتشار الفساد والنفاق بين المسؤولين والقادة العسكريين، مما أدى إلى ضعف الجيش وزيادة التوترات الداخلية.
2. الاتحاد السوفيتي: كانت الخلافات السياسية والنفاق بين القادة من الأسباب التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث تدهورت الثقة بين القيادة والشعب وتفاقمت الأزمات الاقتصادية والسياسية.
3. الأندلس: شهدت دولة الأندلس في فترات ضعفها انتشار النفاق بين القادة والأمراء، مما أدى إلى تفككها وسقوطها في نهاية المطاف.

سبل مكافحة النفاق وتعزيز الوحدة الوطنية
1. تعزيز الشفافية والمساءلة: يجب تعزيز الشفافية في إدارة الدولة ومساءلة القادة والمسؤولين عن تصرفاتهم وقراراتهم.
2. نشر الوعي الأخلاقي: يجب نشر القيم الأخلاقية وتعزيزها من خلال التعليم والتوعية، وتشجيع الصدق والأمانة بين أفراد المجتمع.
3. تعزيز الوحدة الوطنية: يجب تعزيز الروح الوطنية وتوحيد الصفوف من خلال الحوار الوطني والعمل المشترك لتحقيق الأهداف المشتركة.
4. محاربة الفساد: يجب وضع سياسات صارمة لمكافحة الفساد والنفاق في جميع مؤسسات الدولة، وضمان تحقيق العدالة والمساواة بين جميع المواطنين.

ختاماً إن مكافحة النفاق تتطلب جهوداً متضافرة من جميع أفراد المجتمع، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، وعندما تغيب دولة القانون، ينتشر النفاق ويتخذه المنافقون وسيلة لحماية مصالحهم، إن الدول التي يسودها النفاق تكون عرضة للسقوط والنزاعات الداخلية والحروب. ولمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، يجب علينا العمل معاً لتعزيز القيم الأخلاقية، وتشجيع الصراحة والشفافية، وبناء مجتمع قائم على الثقة والتفاهم المتبادل، كما يجب على الدول تعزيز المساءلة، والعمل على توحيد الصفوف ونشر الوعي الوطني. من خلال هذه الجهود، يمكن للدول أن تحافظ على قوتها واستقرارها وتحقق التقدم والازدهار.

رام الله 2/ 8/ 2024.
صورة التدوينة
تأثير الحرب الإسرائيلية على التعليم في غزة!!
#مقال: تأثير الحرب الإسرائيلية على التعليم في غزة!!
كتبته|| د. بلقيس محمد أبو جامع
أستاذ أصول التربية المساعد.

منذ السابع من أكتوبر وإعلان الحرب على قطاع غزة، شكلت الحرب الإسرائيلية تأثيرًا عميقًا ومتعدد الجوانب على جميع القطاعات، ومنها قطاع التعليم. أثرت الحرب بشكل جذري على جودة التعليم وإمكانية الوصول إليه، مما أدى إلى توقف العملية التعليمية بشكل كامل خلال الستة أشهر الأولى من الحرب. وبعد هذه الفترة، بدأت بعض الجامعات بمحاولة إيجاد حلول عبر مبادرات لنقل الطلبة إلى جامعات الضفة الغربية، لكن هذه المبادرات واجهت تحديات كبيرة بسبب البنية التحتية الضعيفة والظروف الاستثنائية. على صعيد تلاميذ المدارس، كانت الأوضاع أكثر سوءًا، حيث لم تتوفر مبادرات مشابهة، واقتصر التعليم في المخيمات على تعليم الأطفال بعض أساسيات العلم. في هذا المقال، سأناقش تأثيرات الحرب على التعليم في غزة من جوانب مختلفة، بدءًا من البنية التحتية وصولاً إلى التأثيرات النفسية والاجتماعية والاقتصادية.

أولاً: تدمير البنية التحتية التعليمية
الدمار المادي: تعرضت العديد من المدارس والمنشآت التعليمية للقصف والتدمير خلال الحرب، مما أدى إلى توقف العملية التعليمية بشكل تام. أشارت تقارير منظمات حقوق الإنسان إلى تدمير أو تضرر العشرات من المدارس، حيث أفاد تقرير الأونروا في 14 يونيو 2024 بأن ( 625) ألف طفل حرموا من التعليم في غزة منذ بداية الحرب. كما أعلنت وزارة التربية والتعليم أن ( 39) ألف طالب وطالبة من غزة حرموا من تقديم امتحانات الثانوية العامة لهذا العام. وأصدر المكتب الحكومي في 13 يوليو أن الاحتلال دمر أكثر من ( 115) جامعة ومدرسة بشكل كلي، إضافة إلى تدمير ( 328) جامعة ومدرسة بشكل جزئي.
نقص المرافق الأساسية: تسببت الحرب في تدمير شبكات الكهرباء والمياه، مما أدى إلى نقص حاد في المرافق الأساسية داخل المدارس مثل المياه النظيفة والكهرباء والمرافق الصحية. حيث أثر هذا النقص سلبًا على بيئة التعلم، وأصبح من الصعب توفير الظروف الأساسية لاستمرار العملية التعليمية بشكل فعال.

ثانياً: التأثير النفسي والاجتماعي على الطلبة
الصدمة النفسية: تعرض الأطفال في غزة لصدمات نفسية جراء مشاهد العنف والدمار وفقدان الأحباء. هذه التجارب أثرت بشكل كبير على قدرتهم على التركيز والتعلم، وزادت من معدلات القلق والاكتئاب بينهم. كما تحتاج هذه الصدمات إلى تدخلات نفسية متخصصة لمساعدة الأطفال على التغلب عليها واستعادة قدرتهم على التعلم، ما بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية.
الغياب والانقطاع عن الدراسة: نتيجة الخوف من الهجمات وعدم الاستقرار الأمني أدى إلى تغيب الطلاب عن المدارس لفترات طويلة، مما أثر على استمرارية التعليم وتحصيلهم الدراسي. كما لم يلتحق طلاب غزة بالتعليم لمدة سنة كاملة من السابع من أكتوبر حتى نهاية العام الدراسي لسنة 2023/2024. ونشرت وزارة التربية والتعليم العالي يوم 9/ 7/ 2024: أن عدد الذين قتلوا من ( 391) معلمًا، وجرح منهم ( 2246)، وقتل من الطلاب ( 8227) طالباً، وجرح ( 13200) طالب، مما أثر هذا الانقطاع الطويل عن الدراسة بشكل كبير على مستوى التعليم ومستقبل الطلاب.

ثالثاً: التعليم العالي والبحث العلمي
توقف الجامعات
توقفت الجامعات في غزة بسبب الحرب، وكذلك تعرض الأكاديميين وطلاب الجامعات في قطاع غزة للقتل والنزوح والاعتقال، ونشرت وزارة التربية والتعليم العالي يوم 9/ 7/ 2024، عدد الذين قتلوا ( 105) من الكوارد الأكاديمية وجرح ( 1169) منهم، وكذلك قتل ( 613) طالب، وجرح ( 1189) طالب، مما سيؤثر على جودة التعليم العالي وقدرة الجامعات على توفير بيئة تعليمية ملائمة فيما بعد الحرب.
تقييد الحركة والبحث العلمي: القيود على حركة الأفراد تعرقل قدرة الأكاديميين والطلاب على السفر والمشاركة في الفعاليات الأكاديمية الدولية، مما يحد من تطور البحث العلمي.

رابعاً: التأثير الاقتصادي
الفقر والمستلزمات الدراسية: تعيش معظم الأسر في غزة تحت خط الفقر، وفي حال انتهاء الحرب، سيكون من الصعب توفير المستلزمات الدراسية الأساسية مثل الكتب والأدوات المدرسية. كما سيدفع الفقر بعض الأطفال إلى العمل للمساعدة في إعالة أسرهم، مما يعيق مواصلتهم للتعليم.
البطالة: ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب يؤثر على دافع التعليم، حيث يفقد العديد من الطلاب الأمل في أن التعليم سيوفر لهم فرص عمل مستقبلية، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التسرب الدراسي.

خامساً: الدور الدولي والمساعدات
المساعدات الإنسانية: تلعب المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة واليونيسف دوراً كبيراً في تقديم الدعم المالي والمادي للقطاع التعليمي في غزة. بعد الحرب، سيشمل هذا الدعم إعادة بناء المدارس وتوفير المواد التعليمية وتدريب المعلمين.
الضغط الدولي: يمكن للمجتمع الدولي أن يلعب دوراً مهماً في الضغط من أجل وقف الحرب وإدخال المواد الأساسية اللازمة لتحسين البنية التحتية التعليمية وإعادة الطلاب لمقاعدهم الدراسية بعد انقطاع دام عاماً كاملاً من الدراسة وفقدان كل ما يملكونه.

وفي النهاية لقد كانت الحرب الإسرائيلية على غزة كارثية على مختلف المجالات والجوانب الحياتية للمواطن الفلسطيني بشكل عام وعلى قطاع التعليم بشكل خاص، من تدمير البنية التحتية التعليمية إلى التأثيرات النفسية والاجتماعية على الطلبة، والتحديات التي ستواجه العملية التعليمية في غزة، رغم بعض المبادرات لمحاولة التخفيف من حدة هذه التأثيرات، إلا أن الطريق ما زال طويلاً لتحقيق بيئة تعليمية مستقرة وآمنة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها غزة. يحتاج المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده لدعم قطاع التعليم في غزة وضمان حق الأطفال في التعليم بالرغم من الظروف الصعبة فيما بعد الحرب، كما كفلته القوانين والمواثيق الدولية .

رام الله 13/ 7/ 2024