صورة التدوينة

#مقال: تأثير الحرب الإسرائيلية على التعليم في غزة!!
كتبته|| د. بلقيس محمد أبو جامع
أستاذ أصول التربية المساعد.

منذ السابع من أكتوبر وإعلان الحرب على قطاع غزة، شكلت الحرب الإسرائيلية تأثيرًا عميقًا ومتعدد الجوانب على جميع القطاعات، ومنها قطاع التعليم. أثرت الحرب بشكل جذري على جودة التعليم وإمكانية الوصول إليه، مما أدى إلى توقف العملية التعليمية بشكل كامل خلال الستة أشهر الأولى من الحرب. وبعد هذه الفترة، بدأت بعض الجامعات بمحاولة إيجاد حلول عبر مبادرات لنقل الطلبة إلى جامعات الضفة الغربية، لكن هذه المبادرات واجهت تحديات كبيرة بسبب البنية التحتية الضعيفة والظروف الاستثنائية. على صعيد تلاميذ المدارس، كانت الأوضاع أكثر سوءًا، حيث لم تتوفر مبادرات مشابهة، واقتصر التعليم في المخيمات على تعليم الأطفال بعض أساسيات العلم. في هذا المقال، سأناقش تأثيرات الحرب على التعليم في غزة من جوانب مختلفة، بدءًا من البنية التحتية وصولاً إلى التأثيرات النفسية والاجتماعية والاقتصادية.

أولاً: تدمير البنية التحتية التعليمية
الدمار المادي: تعرضت العديد من المدارس والمنشآت التعليمية للقصف والتدمير خلال الحرب، مما أدى إلى توقف العملية التعليمية بشكل تام. أشارت تقارير منظمات حقوق الإنسان إلى تدمير أو تضرر العشرات من المدارس، حيث أفاد تقرير الأونروا في 14 يونيو 2024 بأن ( 625) ألف طفل حرموا من التعليم في غزة منذ بداية الحرب. كما أعلنت وزارة التربية والتعليم أن ( 39) ألف طالب وطالبة من غزة حرموا من تقديم امتحانات الثانوية العامة لهذا العام. وأصدر المكتب الحكومي في 13 يوليو أن الاحتلال دمر أكثر من ( 115) جامعة ومدرسة بشكل كلي، إضافة إلى تدمير ( 328) جامعة ومدرسة بشكل جزئي.
نقص المرافق الأساسية: تسببت الحرب في تدمير شبكات الكهرباء والمياه، مما أدى إلى نقص حاد في المرافق الأساسية داخل المدارس مثل المياه النظيفة والكهرباء والمرافق الصحية. حيث أثر هذا النقص سلبًا على بيئة التعلم، وأصبح من الصعب توفير الظروف الأساسية لاستمرار العملية التعليمية بشكل فعال.

ثانياً: التأثير النفسي والاجتماعي على الطلبة
الصدمة النفسية: تعرض الأطفال في غزة لصدمات نفسية جراء مشاهد العنف والدمار وفقدان الأحباء. هذه التجارب أثرت بشكل كبير على قدرتهم على التركيز والتعلم، وزادت من معدلات القلق والاكتئاب بينهم. كما تحتاج هذه الصدمات إلى تدخلات نفسية متخصصة لمساعدة الأطفال على التغلب عليها واستعادة قدرتهم على التعلم، ما بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية.
الغياب والانقطاع عن الدراسة: نتيجة الخوف من الهجمات وعدم الاستقرار الأمني أدى إلى تغيب الطلاب عن المدارس لفترات طويلة، مما أثر على استمرارية التعليم وتحصيلهم الدراسي. كما لم يلتحق طلاب غزة بالتعليم لمدة سنة كاملة من السابع من أكتوبر حتى نهاية العام الدراسي لسنة 2023/2024. ونشرت وزارة التربية والتعليم العالي يوم 9/ 7/ 2024: أن عدد الذين قتلوا من ( 391) معلمًا، وجرح منهم ( 2246)، وقتل من الطلاب ( 8227) طالباً، وجرح ( 13200) طالب، مما أثر هذا الانقطاع الطويل عن الدراسة بشكل كبير على مستوى التعليم ومستقبل الطلاب.

ثالثاً: التعليم العالي والبحث العلمي
توقف الجامعات
توقفت الجامعات في غزة بسبب الحرب، وكذلك تعرض الأكاديميين وطلاب الجامعات في قطاع غزة للقتل والنزوح والاعتقال، ونشرت وزارة التربية والتعليم العالي يوم 9/ 7/ 2024، عدد الذين قتلوا ( 105) من الكوارد الأكاديمية وجرح ( 1169) منهم، وكذلك قتل ( 613) طالب، وجرح ( 1189) طالب، مما سيؤثر على جودة التعليم العالي وقدرة الجامعات على توفير بيئة تعليمية ملائمة فيما بعد الحرب.
تقييد الحركة والبحث العلمي: القيود على حركة الأفراد تعرقل قدرة الأكاديميين والطلاب على السفر والمشاركة في الفعاليات الأكاديمية الدولية، مما يحد من تطور البحث العلمي.

رابعاً: التأثير الاقتصادي
الفقر والمستلزمات الدراسية: تعيش معظم الأسر في غزة تحت خط الفقر، وفي حال انتهاء الحرب، سيكون من الصعب توفير المستلزمات الدراسية الأساسية مثل الكتب والأدوات المدرسية. كما سيدفع الفقر بعض الأطفال إلى العمل للمساعدة في إعالة أسرهم، مما يعيق مواصلتهم للتعليم.
البطالة: ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب يؤثر على دافع التعليم، حيث يفقد العديد من الطلاب الأمل في أن التعليم سيوفر لهم فرص عمل مستقبلية، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التسرب الدراسي.

خامساً: الدور الدولي والمساعدات
المساعدات الإنسانية: تلعب المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة واليونيسف دوراً كبيراً في تقديم الدعم المالي والمادي للقطاع التعليمي في غزة. بعد الحرب، سيشمل هذا الدعم إعادة بناء المدارس وتوفير المواد التعليمية وتدريب المعلمين.
الضغط الدولي: يمكن للمجتمع الدولي أن يلعب دوراً مهماً في الضغط من أجل وقف الحرب وإدخال المواد الأساسية اللازمة لتحسين البنية التحتية التعليمية وإعادة الطلاب لمقاعدهم الدراسية بعد انقطاع دام عاماً كاملاً من الدراسة وفقدان كل ما يملكونه.

وفي النهاية لقد كانت الحرب الإسرائيلية على غزة كارثية على مختلف المجالات والجوانب الحياتية للمواطن الفلسطيني بشكل عام وعلى قطاع التعليم بشكل خاص، من تدمير البنية التحتية التعليمية إلى التأثيرات النفسية والاجتماعية على الطلبة، والتحديات التي ستواجه العملية التعليمية في غزة، رغم بعض المبادرات لمحاولة التخفيف من حدة هذه التأثيرات، إلا أن الطريق ما زال طويلاً لتحقيق بيئة تعليمية مستقرة وآمنة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها غزة. يحتاج المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده لدعم قطاع التعليم في غزة وضمان حق الأطفال في التعليم بالرغم من الظروف الصعبة فيما بعد الحرب، كما كفلته القوانين والمواثيق الدولية .

رام الله 13/ 7/ 2024