يزداد الاهتمام العالمي يومًا بعد يوم على مستوى الدول والشعوب بموضوع العولمة ومظاهرها المختلفة، ويكاد أن يستأثر هذا الموضوع على مساحة كبيرة من الرأي والفكر والحوار والنقاش في وسائل الإعلام والمؤتمرات والندوات الدولية والإقليمية ،وهذا يعني أن العولمة من القضايا المهمة التي تشغل بال كثير من العلماء والمفكرين,والمنظور الغربي للعولمة يسعى إلى جعل العالم عالمًا واحدًا،موجهًا توجيهًا واحدًا في إطار حضارة واحدة تنادي بتدمير كل ثقافة ذات طابع إنساني أو أخلاقي وتؤمن بالمادة ووحدة العقل وتضخيم الليبرالية والهيمنة المطلقة لتمكين الغرب من فرض سيطرته على الدول الفقيرة من خلال ما تؤدي إليه هذه العملية من بطالة وتقليص دور الدولة في المراقبة والتخطيط وتدمير ثقافة الشعوب وفرض ثقافة مادية مختزلة لا تنطوي على فلسفة أو توجه أخلاقي أو عقائدي.
والعولمة من أكثر المفاهيم التي أثارت الجدل والنقاش بين المفكرين والكتاب في الكثير من المجالات،ومن خلال الكتابات النظرية التي تناولت العولمة نجد أنها مفهوم مركب يشتمل على أبعاد اقتصادية وثقافية وسياسية واجتماعية متعددة،والصياغة اللغوية لمفهوم العولمة، تدل علي أنها ذات مضمون ديناميكي يشير إلى عملية مستمرة من التحول والتغير، بمقتضاها تتحول النظم الاجتماعية من الإطار القومي لتندمج وتتكامل مع النظم الأخرى .
للعولمة الصحيحة هدف إنساني لا غني عنه إلاّ بنشره وتعميمه، ولا طريق للإنسانية أمامها إلاّ بالدخول فيها والانتماء إليها، علماً بأنّه لم يكن الدخول فيها قد بدأ في هذه الأيام، بل منذ إرسال الأنبياء أولي العزم (عليهم السلام) وأخذت تتبلور وتتكامل منذ بدء عهد الرسالة الإسلامية، ففي يوم الأحزاب عندما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم والمسلمون معه يحفرون الخندق حول المدينة استعصى عليهم حجر صلد، فضربه رسول الله بمعوله فانقدحت منه شرارة وسطع منها نور، فقال (صلى الله عليه وآله) وهو يبشر المسلمين: إني رأيت فيه قصور الحيرة ومدائن كسرى، ثم ضربه ثانية وثالثة، فانقدحت في كل ضربة شرارة، وسطع منها نور كذلك وفي كل مرة يقول (صلى الله عليه وآله) لأصحابه بأنه رأى فيها هدفاً من الأهداف العالمية، حيث بشّر المسلمين بأنهم يصلون إلى تلك البلاد وينشرون الإسلام فيها،فإن الإسلام دين عالمي.
فالإسلام هو أول من جاء بأسس العولمة الصحيحة الشاملة لجميع القوانين الصالحة لإدارة العالم كله فلم يكن الإسلام يوماً للعرب وحدهم ،ولم يكن القرآن يوماً لقريش وحدها،فهذه العولمة لا تتسم بالجبر ولا تعرف الإكراه،لأنها تتفق مع فطرة الله التي فطر الناس عليها أن أنها سلوك تلقائي للنبوغ المادي أو الروحي ،ونتاج طبيعي للتفوق الحسي أو المعنوي فالإنسان مهما كان بلده وموطنه هو إنسان،وله نفس المشاعر والأفكار الجسدية التي يحملها كل إنسان آخر، وإنما الاختلاف غالباً في الأفكار والآراء، والقدرات العقلية التي يدرك بها أنّ للكون إلهاً واحداً قادراً عادلاً حكيماً،وكل شيء ينحرف عن هذا المعتقد السليم فهو انحراف عن الفطرة,ولذلك ينظر التصور الإسلامي إلى الإنسان في ضوء القرآن والسنة النبوية المطهرة وجهود السلف الصالح رضوان الله عليهم وفى ضوء الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر،والجنة والنار،والثواب والعقاب والقضاء والقدر خيره وشره،وكل هذه الجوانب الإيمانية مفقودة في النماذج والنظريات الغربية التي لم تتمكن من تقديم العلاج المناسب لمشكلات الأفراد في المجتمعات الإسلامية ؛لأنها أغفلت أهم الأسس الإيديولوجية والتي يقوم عليها المجتمع الإسلامي وهو الدين الإسلامي الحنيف عند التعامل مع هذه المشكلات.
والمنظور الإسلامي لتفسير السلوك هو الموجه للباحث المسلم في تعامله مع المعلومات والمعارف التي يتعامل معها في مجال تخصصه وهو الهادي له إلي سيبل المعرفة الحقة المبنية على التوازن في الأخذ من المصادر المتاحة للباحثين، وأهم مصادر المنظور الإسلامي لتفسير السلوك هي الوحي، والخلق (الحواس – العقل – الحدس – الإلهام- السنن) وكلا من المصدرين من عند الله سبحانه وتعالى.
وفي هذا السياق قام في البداية العديد من الباحثين بمحاولات جادة كانت اللبنة الأولى في ظهور الكتابات التي تهتم بالتأصيل الإسلامي للعلوم وتدعو إلى أسلمة المعرفة بصفة عامة والعلوم الإنسانية بصفة خاصة ثم توالت بعد ذلك الكتابات في العديد من المجلات والدوريات العملية مثل مجلة عالم المعرفة ,ومجلة المسلم المعاصر وإصدارات المعهد العالمي للفكر الإسلامي مما دعى العديد من المؤسسات والجامعات بتنظيم المؤتمرات والندوات العلمية التي اهتمت بالتأصيل الإسلامي للعلوم الإنسانية حيث عقدت ندوة علم النفس والإسلام بجامعة الملك سعود ،الرياض سابقاً في الفترة من 12-11/16/1398ه وتم مناقشة ثلاثة وعشرون دراسة, تناولت هذه الدراسات التأصيل الإسلامي لعلم النفس ,ونظم المعهد العالمي للفكر الإسلامي مع جامعة الخرطوم المؤتمر الرابع للفكر الإسلامي في الفترة من 15: 20/5 /1407ه والذي تناول منهجية العلوم الإسلامية والعلوم النفسية والتربوية ،وعقدت ندوة التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض في الفترة من 5: 6/6 /1407ه،وقام المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالقاهرة بالتعاون مع مركز صالح كامل بجامعة الأزهر بتنظيم ندوة الخدمة الاجتماعية في الإسلام والمؤتمر الثاني للتوجيه الإسلامي للخدمة الاجتماعية ،ثم تم بعد ذلك تنظم العديد من المؤتمرات الخاصة بالتوجيه الإسلامي بالتعاون مع معاهد الخدمة الاجتماعية بشكل دوري وذلك في العقد الأخير من القرن العشرين،وكان آخر هذه المؤتمرات المؤتمر السادس للتوجيه الإسلامي2002م بقسم الخدمة الاجتماعية جامعة الأزهر،ساهمت هذه الندوات والمؤتمرات بشكل إيجابي في بلورة منهجية التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية والنفسية وخاصة الكتابات الجادة للأساتذة المخلصين الذين ساهموا بشكل واضح في بلورة منهجية التأصيل الإسلامي في العلوم النفسية والاجتماعية ومحاولة صياغة العديد من الممارسات العلاجية من المنظور الإسلامي كما حاولت العديد من البحوث والدراسات التواصل الي ممارسات علاجية للمشكلات النفسية والاجتماعية من المنظور الإسلامي ولم تكن تلك الدراسات في الدول الإسلامية فقط بل كانت هناك محاولات فى المجتمع الغربي والأمريكي تدعو إلى الاهتمام بالجوانب الروحية والدينية في شخصية العميل عند وضع خطة العلاج للتعامل معه ,
وفي ضوء ما سبق يمكن القول بأن الاهتمام بالجوانب الدينية والروحية لا يقتصر على مجتمع المسلمين فقط بل هناك اهتمام عالمي بضرورة الاهتمام بالجوانب الروحية والدينية في شخصية العميل عند التعامل معه مما يؤكد أهمية العمل على تدعيم الجوانب الدينة والروحية في شخصية العميل اثناء التعامل مع المشكلات النفسية والاجتماعية