صورة التدوينة

تمهيد
على الرغم من أن التعلُّم عن بعد بدأ كتعليم بالمراسلة في عام 1840م إلا أن انتشاره قد بدأ بعد ابتكار الإذاعة في العقود الأُولى من القرن العشرين الميلادي، ونظراً لتزايد الحاجة إليه في ظل معطيات العصر الحالي، فقد تطور استخدامه بإدخال الوسائط المتعددة (Multimedia) في بداية السبعينات من القرن العشرين، ثم تطورت أنظمة التعلُّم عن بعد بواسطة الاتصال الإلكترني (On-line) منذ العام 1985م عن طريق البريد الإلكترني (E-mail) والمؤتمرات الحاسوبية.
مفهوم التعلُّم عن بعد
يعرف شلوسر وسيمونسن Schlosser @ Simonson هذا المصطلح بأنه يعني "التباعد المكاني بين المعلم والطلاب" وهناك مفاهيم مثل ( التعليم عن بعد، التعلُّم عن بعد، التعلُّم الموزع) ترتبط جميعها بتطبيقات تكنولوجيا المعلومات (والبنية التحتية لها) في مجال الأنشطة التعليمية والتي تربط بين الطلاب بعضهم البعض، وبين الطلاب مع المعلمين بالرغم من تواجدهم في مواقع مختلفة، كما يتم هذا النمط من التعليم بانفصال الطالب عن المعلم بأية مسافة بحيث تكون كل الاتصالات بينهم عن طريق الوسائط التكنولوجية في نفس الوقت أو فيما بعد؛ وذلك بغض النظر عن أماكن تواجدهم، كما يعرفانه أيضاً بأنه إطار عمل مؤسسي لعملية تقديم التعليم عن بعد، ويعتبر التعليم "عن بعد" عندما يكون المعلم بعيداً مكانياً عن الطلاب، مع استخدام التقنيات المختلفة مثل (الصوت، والفيديو، والمطبوعات ..إلخ) في ملئ الفجوة المكانية بين المشاركين.
كما يعرف التعلُّم عن بعد بأنه: يقوم من حيث المبدأ على عدم اشتراط الوجود المتزامن للمتعلم مع المعلم في المكان نفسه، وبهذا لن يكون على كل من المعلم والمتعُّلم أن يتعامل مباشرة مع الطرف الأخر، ومن ثم تنشأ الضرورة لأن يقوم بين المعلم والمتعلُّم وسيط وهذه الوساطة لها جوانب تقنية وبشرية وتنظيمية.
ويعرف بأنه: ذلك التعليم الذي لا يكون فيه المعلم والطالب في نفس قاعة الدراسة، ولكنهما ينفصلان مكانياً بعامل المسافة، وبالتالي فهذا النوع من التعليم يعطي للمتعلم حرية اختيار المكان والزمان الذي يريده للتعلم.
ويشابه مفهوم التعلُّم عن بعد مفهوماً آخر هو التعلُّم الموزع (Distributed learning) والذي يعني تطبيق نموذج تعليمي يسمح لكل من المعلم والطلاب والمحتوى بالتواجد في أماكن متعددة، وليس في مكان واحد؛ وعلى الرغم من ذلك يحدث التعلُّم بغض النظر عن الزمان والمكان، ويمكن أن يستخدم هذا النموذج بالتكامل مع المقررات التقليدية للفصل الدراسي، ومع المقررات المصممة للتعلم عن البعد، أو قد يستخدم هذا النموذج لخلق بيئة فصول دراسية.


تطور مراحل التعلُّم عن البعد
لقد مر التعلُّم عن بعد بتاريخ كبير من التطور تحت مسميات مختلفة مثل: (التعليم بالمراسلة، والتعليم المفتوح)، وقد تطورت تقنيات الاتصال المستخدمة في التعلُّم عن بعد، واستخدم الجيل الأول المطبوعات ونظم البريد (التعليم بالمراسلة)، أما الجيل الثاني فقد استخدم البرامج الإذاعية ثم التلفزيونية لنقل الصوت والصوة، أما الجيل الثالث فقد اعتمد على الحاسبات لتقديم المواد التعليمية في صيغة رقمية، ومن هنا يمكن اعتبار التعلُّم القائم على شبكات اتصال الحاسب الآلى امتداداً للجيل الثاث من التكنولوجيا المستخدمة في التعلُّم عن بعد.
وقد كانت أُولى المحاولات للخروج خارج الفصل الدراسي، أو للتعلُّم عن بعد هي التعلُّم بالمراسلة ففي العام 1940 قدم إيزاك بيتمان "Issac Pitman" دروساً في الاختزال في انجلترا عن طريق المراسلة، وهذا الشكل للتعلُّم عن بعد كان مجرد البداية لما نعرفه الآن حق المعرفة وهو مفهوم التعلُّم عن بعد والذي ننظر إليه الآن على أنه خبرة تربوية تعليمية مقدمة للطلاب في مكان يبعد عن المعلم.
وقد أخذ التعلُّم عن بعد أهميته من خلال التلفزيون التعليمي، وبحلول الثمانينات من القرن العشرين توصلت نتائج الأبحاث إلى ما يلي:
- لا يوجد دليل يدعم فكرة أن التعليم وجهاً لوجه في الفصول الدراسية التقليدية هو أفضل أساليب التعلُّم.
- التعلُّم عن طريق المؤتمرات عن بعد يمكن أن يماثل التعليم التقليدي أو يتفوق عليه.
- غياب الاتصال المباشر وجهاً لوجه لا يضر بعملية التعلُّم.
كما أنه قد أمكن محاكاة الفصل التقليدي من خلال الوسائط التقنية المتاحة، ويبرز هنا التوقع المتمثل في أن استقلالية المتعلم تتحقق ويتم التأكد منها عن طريق الاستكمال الناجح للمقررات وإتقان المادة التعليمية المقدمة.
وقد تمثلت أُولى المحاولات لدمج خبرات الحاسب الآلي داخل الفصل التقليدي في تقديم خبرات إثرائية إضافة للمحاضرة التقليدية، ثم ظهر الإنترنت وانتشر بصورة كبيرة وتأسست المواقع التعليمية التي تعزز خبرات التعلُّم خارج نطاق ما قد أعده المعلم بحيث يمكن أن يظهر أثرها في الفصل الدراسي أو أن يتم تخصيصها كأنشطة إضافية أو إثرائية.
ولذلك فإن انتشار أجهزة الحاسب الآلي والبرمجيات والإنترنت، قد وضع أسلوباً جديداً لاستخدام هذه المواد. وكلما زاد استخدام الطلاب لأجهزة الحاسب الآلي، وأصبح المعلمون أكثر ارتياحاً وتعوداً على التعامل مع هذه التكنولوجيا، فإن الخطوة التالية المنطقية هي وضع المقررات الدراسية على شبكة الإنترنت، وهذا سوف يمكن الطلاب من التعامل في أي وقت مع هذه المقررات، بالإضافة إلى تقديم آليات للمشاركة مع طلاب لديهم الرغبة في دراسة نفس المقر، كما يمكن أن يرتبط هذا المقرر ببعض المواقع التي تقدم معلومات إضافية والتي تعتبر كمصادر أخرى لتقديم التدريبات.
ولقد أصبح التعلُّم عن بعد من أهم المكونات الخاصة بالحصول على مؤهلات جامعية أو بالتدريب المهني، ويعرف التعلُّم عن بعد حالياً بأنه: مقررات يتم تقديمها خارج الحرم الجامعي وذلك باستخدام البث التلفزيوني المباشر أو المسجل، أو عن طريق أفلام الفيديو، أو البث الإذاعي، أو الأقراص المدمجة، أو النظم القائمة على الحاسب الآلي كالإنترنت، وقد درس ما يقارب 2.7 مليون طالب في المؤسسات الجامعية الأمريكية في العام الدراسي 1999-2000م، وكانت نسبة 10% من الدرجات العلمية التي حصل عليها هولاء الخريجون عن طرق نظم التعلُّم عن بعد، وذكرت نسبة 38% من هولاء أنهم حصلوا على درجاتهم العلمية عن طريق برنامج تم تقديمه بالكامل عن طريق إحدى نظم التعلُّم عن بعد، وكانت أكبر نسبة من هولاء الخريجين من أولئك الذين درسوا عن طريق الإنترنت، ثم عن طريق البث المباشر تلفزيونياً أو إذاعياً، ثم عن طريق التسجيلات الإذاعية أو التلفزيوينة، وقد صرح 51% منهم بأنهم كانوا راضين بشكل متوسط عن أسلوب تعلمهم، بينما كانت نسبة 22% منهم راضية جداً عن أسلوب تعلمها، وكانت نسبة 27% منهم غير راضية عن أسلوب التعلُّم عن بعد.
وتجاهد الجامعات في الوقت الحالي في محاولة منها لتقديم مقررات عن بعد عبر الشبكات لتبقى في حلبة المنافسة في ظل فرص تعليمية لم تعد معدودة بالحواجز الجغرافية بين الجامعات، وقد تعدت عملية البحث عن الطلاب واجتذابهم حدود الدول، بل ووضعت الجامعات المفتوحة نصب أعينها محاولة الوصول إلى أقرب مما نتخيل من الحدود لجذب الطلاب الذين نعتقد أنهم تابعون جغرافياً لجامعاتنا الإقليمية، أو المحلية أو القريبة منا، فيمكن لأي طالب في الوت الحالي أن يدرس مقرراً في جامعة تقع في أي مكان في العالم بدون أن يترك منزله، وفي الحقبة الراهنة؛ نرى معظم الجامعات تزيد من عدد مقرراتها الإلكترونية المقدمة عن بعد، أو تؤسس كيانات مستقلة لتقديم مقررات للتعلُّم عن بعد، وفي العام 1997-1998م كان هناك ما يقرب من خمسون ألف مقرر جامعي تم تقديمه في الولايات المتحدة عن طريق التعلُّم عن بعد، وقد تضاعف عدد المدارس التي تقدم تعليماً عن بعد في المرحلة ما قبل الجامعية إلى الضعف منذ عام 1995م.
وأحد الخصائص المميزة والتي يمكن ملاحظتها بسهولة في المقررات الجامعية المقدمة عن بعد حالياً هو تعديل المقررات التقليدية الحالية كي يتم تقديمها عبر الإنترنت، وتتمركز معظم هذه المقررات حول الكتاب الدراسي المقرر والذي يشكل الأساس لمعظم هذه المقررات، وغالباً ما تدور المحاضرات، والتدريبات، والقراءات حول الكتب الدراسية المقررة.



خصائص التعلُّم عن بعد
تتمثل خصائص التعلُّم عن بعد الآتي:
1- أنه يعتمد أساساً على فكرة التعليم المبرمج التي يستطيع بها أن يعلم الشخص نفسه بنفسه.
2- لا تتم عملية التعليم فيه وجهاً لوجه بين المدرس والطالب.
3- الاتصال بين طرفي العملية التعليمية باستخدام وسائل متعددة كالمراسلة والراديو والتلفزيون والفديو والحاسب اللآلي والإنترنت.
4- تدريب الدارسين فيه على حسن الإستماع.
5- تسجيل البرامج المذاعة على أشرطة للإستماع إليها وفقاً لظروف الدارسين.
6- تليبة الاحتياجات الفردية والاجتماعية التي فرضتها طبيعة التحولات والتغيرات العلمية والتكنولوجية التي تمر بها المجتمعات المعاصرة.
7- يتيح الفرصة التعليمية لأي فرد في المجتمع في أي وقت وفي أي مكان وفي كل مراحل العمر ولتحقيق ذلك يستخدم عدة وسائل منها (البريد – التلفاز – الإذاعة – شرائط التسجيل ).
8- يشتمل على أنماط مختلفة من الدراسة على كل المستويات التعليمية التي لا تخضع لإشراف متصل من المدرسين على طلابهم، أو تفاعل مباشر بين الطلاب ومدرسيهم وبين الطلاب بعضهم البعض.
9- أنه نظام تربوي مرن يتميز عن أنظمة التعليم التقليدية، ويسعى إلى إعادة توزيع التعليم في الزمان أو المكان والتي تشجع التعلُّم الذاتي وإلى مساعدة الفرد على اختيار طريقه بحرية أكبر في إطار أكثر مرونة .
10- هو تعليم يشتمل على جميع الأشكال الدراسية مثل التعليم عن طريق المراسلة، والتعلُّم عن بعد عن طريق التلفاز، والتعلُّم عن بعد عن طريق الحضور الدوري، والتعلُّم عن بعد عن طريق المواد المطبوعة، والتعلُّم عن بعد عن طريق التقنية الحديثة وما إلى ذلك من الطرق غير التقليدية، ولا ينطبق إلا على المؤسسات التي تخضع برامجها التعليمية للتخطيط والإشراف والمتابعة والمساندة من قبل المؤسسة التعليمية المشرفة على تنفيز البرامج المتقدمة.
11- أن التدريس في هذا النوع من التعلُّم يكون فيه انفصال تام بين المعلمين والمتعلمين، ولكن يمكن اتصال هؤلاء المتعلمين بمعلميهم بواسطة وسائل الاتصال المتعددة.
12- لا يشترط في هذا النوع من التعليم الحضور الشخصي للدارسين بانتظام إلى مكان الدراسة، ويمكن أن يستخدم هذا التعليم بنجاح مع الأفراد الذين تعوقهم ظروفهم الجغرافية أوالاقتصادية أو الاجتماعية عن الالتحاق بالتعليم النظامي التقليدي، ولذا يمكن للتعليم عن بعد أن يحرر الطلاب من حدود الزمان والمكان والعمر.
13- إمكانية عقد لقاءات عبر الشبكة من حين لآخر، وهو مايسمى بمؤتمرات الحاسب الآلي مستغلاً تكنولوجيا الاتصالات.
14- الملاءمة للاحتياج حيث أن البرامج والمقررات التي تصمم يراعى فيها التدرج والتنوع، وتتاح فرصة للدارسين للاختيار حسب حاجته وظروفه واستعداداته.
15- العائد المادي على الدارس حيث أن التعلُّم عن بعد من أنسب نظم التعليم ذو العائد الاقتصادي العالي بالنسبة للدارس.
أهداف التعلُّم عن بعد
تتمثل أهداف التعليم عن بعد في الآتي:
1- تقديم الخدمات التعليمية لمن فاتهم فرص التعليم في كافة مراحل التعليم.
2- إيجاد الظروف التعليمية الملائمة والتي تناسب حاجات الدارسين للاستمرار في التعليم والتربية المستديمة.
3- تقديم البرامج الثقافية لكافة المواطنين وتوعيتهم وتزويدهم بالمعرفة.
4- الإسهام في تعليم المرأة وتشجيعها على ذلك.
5- مسايرة التطورات المعرفية والتكنولوجية المستمرة.
6- الإسهام في محو الأمية وتعليم الكبار، وذلك دون الحاجة للانتظام في صفوف دراسية.
7- تحقيق مبدأ ديمقراطية التعلُّم وتكافؤ الفرص التعليمية والمساواة بين المواطينين دون التمييز فيما بينهم لأسباب تتعلق بمكانتهم الاجتماعية أو الاقتصادية أو بسبب العرق أو الدين أو الجنس.
8- توسيع فرص التعليم الجامعي للمزيد من الدراسين الراغبين في الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي والاستجابة للطلب الإجماعي المتزايد على هذا النمط من التعليم.
9- الإستجابة لمتطلبات خطط التنمية الوطينة من الكوادر البشرية المؤهلة والمدربة.
10- توفير فرص التعليم والتدريب والنمو المهني المستمر للموظفين والعمال وهم على راس العمل لمساعدتهم على أداءهم واجباتهم ومسؤلياتهم وأدوارهم الوظيفية.
11- إتاحة الفرص للشباب والكبار من المسنين وربات البيوت لإستثمار أوقات فراغهم في تثقيف واكتساب العادات والمهارات النافعة.
أنماط التفاعل عن بعد
يعتبر التفاعل مكوناً هاماً وأساسياً في التعلُّم عن بعد، وهناك ثلاثة أنماط من التفاعل في التعلُّم عن بعد والتي تسهم بشكل كبيرفي تعلُّم الطلاب:
- تفاعل المتعلم مع المحتوى: ويشير إلى تفاعل المتعلم مع المادة التعليمية أثناء دراسته لمفرداتها وفهمه لمصطلحاتها واستيعابه لمفاهيمها التي تربط بمعارفه الشخصية، وبحيث يستخدمها في حل مشكلاته، وقد يشتمل هذا التفاعل على قراءة نصوص مكتوبة، أو استخدام دليل للدراسة، أو مشاهدة بعض نقاط الفيديو، أو التعامل مع برامج حاسوبية متعددة الوسائط، أو استكمال بعض التكليفات والمشروعات، ويوصي سالزبوري (Salisbury, 1996) بالسماح للطلاب بتغيير الأدوار من متلقيين سلبيين للمعلومات إلى متعامليين نشطين معها وهذا يعني أن الطلاب يمكنهم التعامل مع المعلومات المناسبة، واستخدامها في كتابة التقارير واستخلاص النتائج أو حل المشكلات.
- تفاعل المتعلم مع المعلم: وهو غالباً مايركز على الحوار التقليدي بين المعلم والمتعلم والذي غالباً ما يتم في الفصول الدراسية المعتادة، وفي بيئات التعلُّم عن بعد؛ فقد يكون التفاعل بين المعلم والمتعلم متزامناً عن طريق التليفون، أو المؤتمرات بالصوت والصورة أو الدردشة، أو يكون التفاعل غير متزامن عن طريق المراسلة أو البريد الإلكتروني أو لوحات المناقشة الإلكترونية، كما أن التفاعل وجهاً لوجه قد يكون متاحاً أيضاً بين المعلمين والمتعلمين في بعض بيئات التعلُّم عن بعد، كما يلاحظ أن التفاعل بين المتعلم والمعلم يساهم في تعلُّم الطلاب ليس فقط عن طريق الإرشاد المعرفي والتغذية الراجعة، بل أيضاً بتقديم الدعم الوجداني النفسي، ولا بد أن يهتم المعلم في هذه الحالة بما يسمى الخطو "Pacing" وهي السرعة التي تحدث بها المعلم أثناء العروض المقدمة عن بعد، وهي تعني عموماً الإسراع عند مراجعة الدرس، أو الإبطاء عند تقديم معلومات جديدة لأول مرة.
- تفاعل المتعلمين مع بعضهم البعض: ويشير إلى التفاعل بين المتعلمين فرادى أو داخل مجموعات صغيرة. وهذا التفاعل غالباً ما يكون غائباً في مقررات التعلُّم بالمراسلة، بينما في الأجيال الأحدث من نظم التعلُّم عن بعد؛ بما في ذلك النظم التي تشتمل على المؤتمرات ثنائية الاتجاه بالصوت والصورة، أو نظم تقديم المقررات عبر شبكة الإنترنت؛ فإن التفاعل بين متعلم وآخر يمكن أن يكون متزامناً، كما في التفاعل بالصوت والصورة أو بالدردشة، أو يكون غير متزامن عن طريق لوحات المناقشة أو البريد الإلكتروني، وعندما انتشر استخدام أساليب التعلُّم عن بعد حتى في داخل نظم التعليم الجامعية التقليدية؛ فقد أصبح من الممكن تفاعل المتعلمين بعضهم البعض وجها لوجه.
وقد تمت إضافة بعض أنماط التفاعل الأخرى إلى الأنماط الثلاث الرئيسية السابقة، مثل: تفاعل المتعلم مع واجهات الاستخدام؛ أو تفاعل المعلمين مع بعضهم البعض، أو تفاعل المعلم مع المحتوى التعليمي، أو تفاعل المحتوى مع المحتوى ( مثل الاستدعاء التلقائي للمعلومات، أو تحديث بعض مصادر شبكة الويب طبقاً لمحكمات أو معايير محددة)، لكن التعامل مع هذه الأنماط من التفاعل يتم بشكل استثنائي لا يحدث إلا في حالات خاصة بل ونادرة، وليس لها صفة التعميم مثل الأنماط الثلاثة الرئيسية السابق ذكرها.
تقنيات التفاعل عن بعد
هناك تقنيات وأشكال متعددة للتعلُّم عن بعد، تطورت بمرور الزمن وتداخلت واختلفت عن بعضها البعض، واشتركت في بعض المميزات، وكان لكل منها سلبياته التي تم احتوائها والتغلب عليها بتطور التقنيات المستخدمة، ومن بينها:
- مقررات التعلُّم بالمراسلة Correspondence Course: وهي أبسط واقدم شكل من أشكال التعلُّم عن بعد، ويتم فيها إرسال التكليفات بالبريد إلى المتعلم، بحيث يستكمل هذه التكليفات ويعيدها مرة أخرى بالبريد إلى المعلم لتقييمها، وبعدئذ يتم إرسال التغذية الراجعة عن طريق البريد ومن ثم يعاد إرسال التكليفات التالية إلى المتعلم مرة أخرى وهكذا، ويتم تكرار هذه الدورة حتى يتم استكمال المقرر، وهذا الشكل من التعليم يتميز بعدم التكلفة، ويتم استكماله في أي مكان، وتم التأكد من فعاليته في مجال التعلُّم عن بعد.
- حزم المقررات عن بعد Packaged Telecourse: هي مقررات متكاملة للتعلُّم عن بعد، بحيث يوجه المتعلم نفسه ذاتياً من خلالها، كما يصحح لنفسه تدريباته واختباراته التي أجاب عنها. وبحيث يستكمل دراسة هذا المقرر في أي مكان بعيداً عن مقر الجامعة أو المؤسسة التعليمية، ويمكن للمتعلم أن يتفاعل مع المعلم من خلال الاتصالات التليفونية عبر المؤتمرات الصوتية، أو عن طريق البريد الإلكتروني، أو البريد الصوتي أو من خلال زيارة مقر الجامعة أو المؤسسة التعليمية، والدروس تتاح بالكامل على شرائط الفيديو، أو تسجيل شرائط التسجيل الصوتي، أو الأقراص المدمجة، والمواد المطبوعة أيضاً، وهي دروس متكاملة بكل مفرداتها، وبالتالي فإن الطالب يتعلم بشكل مستقل عن المعلم.
- نظم البث التليفزيوني Television Broadcasting: والتي تتمثل في:
1- توصيل التليفزيون عن طريق الكابل (CTV) Cable Television :
هو نظام لنقل الصورة التليفزيونية التناظرية عن طريق الكابلات المحورية ويستخدم أساساً لشركات تقديم الخدمة التليفزيونية في منطقة جغرافية معينة، وهذا الكابل يربط المشتركين الموجودين في منطقة ما مع هوائي مركزي موجود في وسط هذا التجمع لاستقبال الإرسال من القمر الصناعي، كما يوجد نظام آخر لاسلكي يعمل على توزيع الإرسال التليفزيوني عبر الهوائيات.
2- الدائرة التليفزيونية المغلقة Closed Circuit Television(CCTV): هو نظام تلفيزيوني يمكنه إنتاج، وتزيع، واستقبال البرامج التليفزيونية، ويتم تصميمه لمنطقة محددة مثل مبنى معين، أو تجمع سكاني مكون من عدة منازل، وبحيث يكون توزيع هذه البرامج خارج هذه المنطقة غير ممكن إلا إذا تم ذلك بقصد.
التقنيات المختلطة للتعلُّم عن بعد Mixed Methodologies: وهي مقررات تتضمن تنوع من الوسائط وأساليب التقديم، ويمكن أن تتمثل في مقررات مقدمة عبر الخط المباشر عن بعد والتي يمكن أن تستخدم الكتب الدراسية المقررة مع قراءات خارجية محددة، وجلسات المناقشة والدردشة، والمراجع الموجودة على شبكة الويب، والمواقع التي بها دروس تعليمية وفقاً للخطو الذاتي، والاتصال الصوتي، وعادة ما يتم إرسال التكليفات عبر البريد الإلكتروني أو إرساله عبر صفحة الطالب على موقع المؤسسة التعليمية والتي تكون مخصصة للطالب عبر الخادم الخاص بهذه المؤسسة، وقد تكون هنالك لقاءات عن طريق الاتصال المتزامن بالصوت والصورة أو عبر اللقاءات المباشرة.
التخطيط للتعلُّم عن بعد
عندما يتم التخطيط للتعلُّم عن بعد فإنه يتم التركيز على المزيد من العروض، وعلى الاهتمام بالمتعلم كمحور للعملية التعليمية (بدلاً من جعل المعلم هو محورها)، وأيضاً على توقيت تقديم هذه العروض الخاصة بالمواد التعليمية، ومن الضروري أن تتم مراجعة المواد التعليمية التقليدية لإبراز النقاط والمفاهيم الرئيسية بها باستخدام الجداول، أو الأشكال التوضيحية، أو الرسوم أو أي عروض بصرية أخرى، ويجب تضمين الأنشطة التي تشجع على التفاعلية، كما ينبغي تخطيط الأنشطة الجماعية بين الطلاب بشكل مناسب (وهذا يدعم البيئة الاجتماعية بينهم)، كما يجب أن يكون هناك خطط بديلة لتقديم التعليم عند حدوث مشكلات في الأجهزة أو الاتصالات، وهناك بعض الاعتبارات الهامة عند تطبيق هذا النمط من التعليم؛ وهي: نقص التفاعل المباشر وجهاً لوجه بين المعلم والطلاب، وعدم استخدام لغة الجسد التي تحتوى على الإيماءات والتلميحات وحركات الأيدي والوجه وغيرها (والتي تعتبر تغذية راجعة غير لفظية)، بالإضافة إلى مشكلات زيادة الزمن اللازم للتعلُّم، وضرورة استخدام معلمين متخصصين في مجالاتهم، بالإضافة إلى صعوبة التحكم في توزيع المواد التعليمية على الطلاب.
ولا بد من أخذ بعض المعايير في الاعتبار عند التخطيط للتعلُّم عن بعد وهي:
- من هم المتعلمون؟ فلا بد أن يكون المعلم على علم ببعض الخصائص العامة لمجموعات التعلُّم، وهذه المعرفة تمكن المعلم من التعامل بنجاح مع الموقف الانعزالي الناشئ عن المسافات بين المعلم وبين طلاب فصله.
- ما هو المحتوى المقدم؟ فلا بد وأن يعكس محتوى المقرر ارتباطه بباقي أجزاء البرنامج أو المنهج الدراسي، كما يجب أن يعي المعلم طبيعة المحتوى التعليمي وتتابع المعلومات فيه. وبوجه عام؛ ينبغي أن يكون هدف المحتوى التعليمي واضح إلى الحد الذي يكفي للتأكد من أن خبرات التعلُّم سوف ينتج عنها تلك المخرجات المطلوبة، ولهذا فمن الضروري أن يتم تحديد الأهداف العامة والإجرائية بشكل كامل.
- ماهي طرق التدريس والوسائل المستخدمة؟ من المهم أن يحدد المعلم عن بعد تلك الطريقة أو الطرق المستخدمة للتأكد من مشاركة المتعلمين، وينبغي أن يختار المعلم طرق التدريس التي تمكن كل المتعلمين من المشاركة في التعلُّم الفعال، وهذا سوف يضمن استمرارية الطلاب طوال فترة دراسة المقرر.
- ما هي بيئة التعلُّم؟ لكي يفهم المعلم طبيعة التعلُّم عن بعد، فلا بد أن يختبر المعلم تلك التكنولوجيا المستخدمة بل وأيضاً بيئة التعلُّم الناتجة عن هذه التكنولوجيا، وبئات التعلُّم هي مجموعة من النظم التي تتضمن الأدوات، والمصادر، والخصائص التربوية التي تعزز فهم المتعلم.
- كيف يتم تقييم جودة التعليم؟ يعتبر تحديد جودة وفاعلية التعليم أحد العوامل الهامة التي ينبغي أخذها في الاعتبار كجزء من عملية التخطيط.
ولهذا فإنه عندما يتم التخطيط للتعلُّم عن بعد، لا بد أن يحدد المعلمون الخصائص العامة للمتعلمين، وطبيعة المحتوى، واستراتيجيات وطرق التدريس، والوسائط التعليمية المستخدمة، وبيئات التعلُّم، وأخيراً التقييم.
ولابد أن يكون هدف أو رسالة المؤسسة التعليمية واضحاً وجلياً في مجال التعلُّم عن بعد، فهدف المؤسسة هو عبارة قصيرة وشاملة تصف الهدف من المشروع الذي تنفذه؛ مما يسمح لكل أفراد فريق العمل، والعملاء، والإداريين وغيرهم بمعرفة النتائج أو الأهداف المطلوب تحقيقها. وعادة؛ فإن العبارة التي تتضمن مهمة المؤسسة أو المشروع يتم تدعيمها وتوضيحها من خلال عرض الأهداف التي تحدد مجال الاهتمامات مع تحديد زمن أداء المهام والنتائج المتوقعة من هذا المشروع، ومن هنا يمكن مقارنة الأهداف التي تم تحقيقها مع الأهداف الموضوعة للمشروع.
كما أنه لابد وأن تقوم المؤسسة التعليمية الراغبة في تقديم مقررات للدراسة عن بعد بتحليل احتياجات السوق "Market Analysis" والذي يعتبر جزءاً أساسياً في عملية التخطيط الاستراتيجي للتعلُّم عن بعد، فهو يضع في الاعتبار كل من التقييم الأساسي للمجال التربوي عموماً، وتحليل المناهج والمقررات على وجه الخصوص، كما يتم جمع وتحليل كل البيانات الديموجرافية، وكل العوامل الاجتماعية في منطقة معينة بدلالة تأثيرها على المشروع المستهدف للتعلُّم عن بعد.
بالإضافة إلى تحديد الأهداف النهائية المطلوب تحقيقها عن بعد وهي الأهداف المعرفية والمهارية التي يتوقع من الطالب معرفتها واكتسابها في نهاية المقرر أو الدرس المقدم عن بعد، ولذلك فإن كل الأنشطة التعليمية والتعلمية تركز على تحصيل الطلاب لهذه الأهداف، كما ينبغي أن تصاغ تلك الأهداف النهائية بطريقة يمكن قياسها، ومن بين طرق قياس تحقيق تلك الأهداف مايعرف بتقييم العميل أو المستهلك " Consumer Assessment" وهو تقييم الطالب أو المعلم لمدى أهمية مقرر معين أو جاذبيته وهو مايعرف بتقييم المقررات المقدمة عن بعد، والبيانات التي يتم جمعها عادة ما تكون بصورة عامة معلنة على جمهور المستفيدين (المتعلميين) من هذا المنتج (المقرر أو نظام التعلُّم عن بعد ككل).
كما أن تكلفة التعلُّم عن بعد لا بد وأن توضع في الحسبان كما أن لها معيار معين، وهو أنه كلما زاد عدد الطلاب الملتحقين بالمقرر أو نظام الدراسة؛ كلما انخفضت التكلفة الخاصة بكل طالب، وهذا لا ينطبق على التعليم التقليدي عندما نأخذ في الاعتبار حتمية زيادة عدد المعلمين عندما يزداد عدد الطللاب، وعلى الرغم من وجود علاقة عكسية بين التعليم وبين عدد الطلاب في الفصل الدراسي في التعليم التقليدي؛ إلا أن هذه العلاقة لا توجد في التعلُّم عن بعد، بل أنه في بعض هذه المقررات ينتظم ما يقرب من (50000) خمسون ألفاً من الطلاب في نفس الوقت، ووفقاً لمرتبات المعلمين الذين يدرسون هذا المقرر، والجهد المبزول في إعداد هذه المقررات وصياغتها بشكل يتناسب مع خصائص التعلُّم عن بعد، فسوف يكون التعلُّم عن بعد أرخص من التعليم الجامعي التقليدي بالتأكيد ولهذا السبب فإن معظم جامعات العالم يتزايد استخدامها حالياً لأساليب التعلُّم عن بعد نظراً لإمكانية التحكم في تكلفتها، مع التطور المتنامي في الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات ولا سيما شبكات الحاسب الآلي، والتي يمكنها أن تجعل التعلُّم عن بعد ذي تكلفة مناسبة عند مقارنته بالنظم التعليمية الأخرى.